وكذا قوله: (هذا أكبر) الخبر فيه من صيغ التفضيل وحكم صيغة التفضيل إذا وقعت خبرا أن يجاء بأفعل ويستوى فيه المذكر والمؤنث يقال زيد أفضل من عمر وليلى أجمل من سلمى، وما هذا شأنه لا نسلم أنه من صيغ المذكر الذي يجرى فيه الاتباع.
ومنهم من قال: إن تذكير الإشارة إنما هو لتعظيم الشمس حيث نسب إليها الربوبية صونا للاله عن وصمة التأنث.
وفيه: أنهم كانوا يعدون الأنوثية من النواقص التي يجب أن ينزه عنها الاله وقد كان لأهل بابل أنفسهم آلهة أنثى كالإلهة (نينو) إلهة الأمهات الخالفة، والإلهة (نين كاراشا) ابنة الإله (آنو) والإلهة (مالكات) زوجة الإله (شاماش) والإلهة (زاربانيت) إلهة الرضاع، والإلهة (آنوناكي). وكانت طائفة من مشركي العرب تعبد الملائكة وتعدهم بنات الله، وقد رووا في تفسير قوله تعالى: (إن يدعون من دونه إلا إناثا) (النساء: 117) أنهم كانوا يسمون آلهتهم إناثا، وكانوا يقولون: أنثى بنى فلان يعنون به الصنم الذي يعبدونه.
ومنهم من قال: إن قوم إبراهيم عليه السلام كانوا يعدون الشمس من الذكور وقد أثبتوا لها زوجة يسمونها (انونيت) فاحتفظ في الكلام على ظاهر عقيدتهم.
وفيه: أن اعتقادهم بكون الشمس ذكرا لا يصحح تبديل تأنيث لفظها تذكيرا.
على أن قوله عليه السلام للملك: (فأت بها من المغرب) (البقرة: 258) وهو يريد الشمس ينافي ذلك.
ومنهم من قال: إن إبراهيم عليه السلام كان يتكلم باللغة السريانية وهى لغة قومه، ولا يفرق فيها في الضمائر وأسماء الإشارة بالتذكير والتأنيث بل الجميع على صفة التذكير، وقد احتفظ القرآن الكريم في حكاية قوله على ما أتى به من التذكير.
وفيه: منع جواز ذلك فإنه أمر راجع إلى أحكام الألفاظ المختلفة باختلاف اللغات بل إنما يجوز ذلك فيما يرجع إلى المعنى الذي لا يؤثر في الخصوصية اللفظية، على أنه تعالى حكى عن إبراهيم عليه السلام احتجاجات كثيرة وأدعية وافرة في القرآن وفيها موارد كثيرة اعتبر فيها التأنيث فما بال هذا المورد اختص من بينها بإلغاء جهة التأنيث؟
حتى أن قوله فيما يحاج به ملك بابل: (إذ قال إبراهيم ربى الذي يحيى ويميت قال أنا