العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا) إلى آخر الآيات (مريم: 43) على أن الوثنيين والصابئين لا يثبتون لله سبحانه شريكا في الايجاد يكافئ بوجوده وجوده تعالى بل إنما يثبتون الشريك بمعنى بعض من هو مخلوق لله مصنوع له ولا أقل مفتقر الوجود إليه فوض إليه بعد تدبير الخليقة كإلهة الحسن وإله العدل وإله الخصب أو تدبير بعض الخليقة كاله الانسان أو إله القبيلة أو إله يخص بعض الملوك والاشراف وقد دلت على ذلك آثارهم المستخرجة وأخبارهم المروية، والموجودون منهم اليوم على هذه الطريقة فقوله عليه السلام بالإشارة إلى الكوكب: (هذا ربى) أراد به إثبات أنه رب يدبر الامر لا إله فاطر مبدع.
وعليه يدل ما حكى عنه في آخر الآيات المبحوث عنها: (قال يا قوم إني برئ مما تشركون، إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين) فإن ظاهره أنه ينصرف عن فرض الشريك إلى إثبات أن لا شريك له لا أنه يثبت وجوده تعالى.
فالذي يعطيه ظاهر الآيات أنه عليه السلام سلم أن لجميع الأشياء إلها فاطرا واحدا لا شريك له في الفطر والايجاد وهو الله تعالى، وأن للانسان ربا يدبر أمره لا محالة، وإنما يبحث عن أن هذا الرب المدبر للامر أهو الله سبحانه وإليه يرجع التدبير كما إليه يرجع الايجاد أم أنه بعض خلقه أخذه شريكا لنفسه وفوض إليه أمر التدبير.
وفي إثر ذلك ما كان منه عليه السلام من افتراض الكوكب الذي كانوا يعبدونه ثم القمر ثم الشمس والنظر في أمر كل منها هل يصلح لان يتولى أمر التدبير وإدارة شؤون الناس؟.
وهذا الافتراض والنظر وإن كان بحسب طبعه قبل العلم اليقيني بالنتيجة فإن النتيجة فرع يتأخر طبعا عن الحجة النظرية لكنه لا يضر به عليه السلام فإن الآيات كما استفدناه فيما تقديم تقص أول أمر إبراهيم والانسان في أول زمن يأخذ بالتمييز ويصلح لتعلق التكليف الإلهي بالنظر في أمر التوحيد وسائر المعارف الأصلية كاللوح الخالي عن النقش والكتابة غير مشغول بنقش مخالف فإذا أخذ في الطلب وشرع يثبت شيئا وينفى شيئا لغاية الحصول على الاعتقاد الحق والايمان الصحيح فهو بعد في سبيل الحق لا بأس عليه في زمن يمر عليه بين الانتزاع من قصور التمييز وبين الاعتصام بالمعرفة الكاملة