لهم مخلوقة بأيديهم كم يشير إليه قوله عليه السلام لقومه فيما حكى الله: (أتعبدون ما تنحتون) (الصافات: 95) ومن جهة أنها فاقدة لأظهر صفات الربوبية وهو العلم والقدرة كما في قوله لأبيه: (إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا) (مريم: 42).
فقوله: (أتخذ أصناما) الخ، معناه: (أتخذ أصناما لاخطر في أمرها آلهة والاله هو الذي في أمره خطر عظيم إني أراك وقومك في ضلال مبين، وكيف لا يظهر هذا الضلال وهو عبادة وتذلل عبودي من صانع فيه آثار العلم والقدرة لمصنوعه الذي يفقد العلم والقدرة.
والذي تشتمل عليه الآية أعني قوله: (أتتخذ أصناما آلهة) الخ، من الحجاج وإن كان بمنزلة التلخيص لعدة احتجاجات واجه بها إبراهيم عليه السلام أباه وقومه على ما حكى تفصيلها في عدة مواضع من القرآن الكريم إلا أنه أول ما حاج به أباه وقومه فإن الذي حكاه الله سبحانه من محاجته هو حجاجه أباه وحجاجه قومه في أمر الأصنام وحجاجهم في ربوبية الكوكب والقمر والشمس وحجاجه الملك.
أما حجاجه في ربوبية الكوكب والقمر والشمس فالآيات دالة على كونه بعد الحجاج في أمر الأصنام، والاعتبار والتدبر يعطى أن يكون حجاجه الملك بعد ما ظهر أمره وشاع مخالفته لدين الوثنية والصابئة وكسر الأصنام، وأن يكون مبدء أمره مخالفته أباه في دينه وهو معه وعنده قبل أن يواجه الناس ويخالفهم في نحلتهم فقد كان أول ما حاج به في التوحيد هو ما حاج به أباه وقومه في أمر الأصنام.
قوله تعالى: (وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض) الخ، ظاهر السياق أن تكون الإشارة بقوله: (كذلك) إلى ما تضمنته الآية السابقة: (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك) الخ، أنه عليه السلام ارى الحق في ذلك، فالمعنى:
على هذا المثال من الاراءة نرى إبراهيم ملك السماوات والأرض.
وبمعونة هذه الإشارة ودلالة قوله في الآية التالية: (فلما جن عليه الليل) الدالة على ارتباط ما بعده بما قبله يظهر أن قوله: (نرى) لحكاية الحال الماضية كقوله تعالى:
(ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض) (القصص: 5).