والعلم التام بالحق.
ومن ضروريات حياة الانسان أن يمر عليه لحظه هي أول لحظه ينتقل فيها من قصور الجهل بواجب الاعتقاد إلى بلوغ العلم بحيث يتعلق به التكليف العقلي بالانتهاض إلى الطلب والنظر، وهذه سنة عامة في الحياة الانسانية المتدرجة من النقض إلى الكمال لا يختلف فيها انسان وانسان، وإن أمكن أن يظهر من بعض الافراد بعض ما يخالف ذلك من أمارات الفهم والعلم قبل المتعارف من سن التمييز والبلوغ كما يحكيه القرآن عن المسيح ويحيى عليه السلام فإنما ذلك من خوارق العادة الجارية وما كل انسان على هذا النعت ولا كل نبي فعل به ذلك.
وبالجملة ليس الانسان من أول ما ينفخ فيه الروح الانساني واجدا لشرائط التكليف بالاعتقاد الحق أو العمل الصالح، وإنما يستعد لذلك على سبيل التدريج حتى يستتم الشرائط فيكلف بالطلب والنظر فزمن حياته منقسم لا محالة إلى قسمين هما قبل التمييز والبلوغ وبعد التمييز والبلوغ وهو الزمان الذي يصلح لان يشغله الاعتقاد كما أن ما يقابله يقابله فيه، وبين الزمانين الصالح لاشغاله بالاعتقاد وغير الصالح له لا محالة زمان متخلل يتوجه إليه فيه التكليف بالطلب والنظر، وهو الفصل الذي يبحث فيه عن واجب الاعتقاد بما تهدى إليه فطرته من طريق الاستدلال فيفرض نفسه أو العالم مثلا بلا صانع مرة ومع الصانع أخرى، ويفرض الصانع وحده مرة ومع الشريك أخرى وهكذا ثم ينظر ما ذا تؤيده الآثار المشهودة في العالم من كل فرض فرضه أو لا تؤيده؟ فيأخذ بذاك ويترك هذا.
فهو ما لم يتم له الاستدلال غير قاطع بشئ ولا بان على شئ وإنما هو مفترض ومقدر لما افترضه وقدره.
وعلى هذا فقول إبراهيم عليه السلام في الكوكب: (هذا ربى) وكذا قوله الآتي في القمر والشمس ليس من القطع والبناء اللذين يعدان من الشرك، وإنما هو افتراض أمر للنظر إلى الآثار التي تثبته وتؤيده، ومن الدليل على ذلك ما في الآيات من الظهور في أنه عليه السلام كان على حاله الترقب والانتظار، فهذا وجه.
ولكن الذي يتأيد بما حكاه الله عنه في سورة مريم في محاجته أباه: يا أبت إني