الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون " (الأعراف: 157).
فهذه الجملة أعني قوله: ومهيمنا عليه " متممة لقول: " ومصدقا لما بين يديه من الكتاب " تتميم إيضاح إذ لولاها لأمكن ان يتوهم من تصديق القرآن للتوراة والإنجيل أنه يصدق ما فيهما من الشرائع والاحكام تصديق إبقاء من غير تغيير وتبديل لكن توصيفه بالهيمنة يبين ان تصديقه لها تصديق أنها معارف وشرائع حقه من عند الله ولله ان يتصرف منها فيما يشاء بالنسخ والتكميل كما يشير إليه قوله ذيلا: " ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم ".
فقول: " مصدقا لما بين يديه " معناه تقرير ما فيها من المعارف والاحكام بما يناسب حال هذه الأمة فلا ينافيه ما تطرق إليها من النسخ والتكميل والزيادة كما كان المسيح عليه السلام أو إنجيله مصدقا للتوراة مع إحلاله بعض ما فيها من المحرمات كما حكاه الله عنه في قوله:
" ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولاحل لكم بعض الذي حرم عليكم " (آل عمران: 50).
قوله تعالى: " فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق " أي إذا كانت الشريعة النازلة إليك المودعة في الكتاب حقا وهو حق فيما وافق ما بين يديه من الكتب وحق فيما خالفه لكونه مهيمنا عليه فليس لك الا أن تحكم بين أهل الكتاب - كما يؤيده ظاهر الآيات السابقة - أو بين الناس - كما تؤيده الآيات اللاحقة - بما أنزل الله إليك ولا تتبع أهواءهم بالاعراض والعدول عما جاءك من الحق.
ومن هنا يظهر جواز أن يراد بقوله: " فاحكم بينهم " الحكم بين أهل الكتاب أو الحكم بين الناس، لكن تبعد المعنى الأول حاجته إلى تقدير كقولنا فاحكم بينهم ان حكمت، فان الله سبحانه لم يوجب عليه صلى الله عليه وآله وسلم الحكم بينهم بل خيره بين الحكم والاعراض بقوله: " فان جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم " (الآية) على أن الله سبحانه ذكر المنافقين مع اليهود في أول الآيات فلا موجب لاختصاص اليهود برجوع الضمير إليهم لسبق الذكر وقد ذكر معهم غيرهم فالأنسب أن يرجع الضمير إلى الناس لدلالة المقام.
ويظهر أيضا ان قوله: " عما جاءك " متعلق بقوله: " ولا تتبع " بإشرابه معنى العدول أو الاعراض.
قوله تعالى: " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا " قال الراغب في المفردات: