تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٥ - الصفحة ٣٥٥
ما لا يدب معه الحزن في قلبه، وهكذا فعل الله سبحانه في جل الموارد التي نهى فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أن يحزن على توليهم عن الدعوة الحقة واستنكافهم عن قبول ما يرشدهم إلى سبيل الرشاد والفلاح فبين له صلى الله عليه وآله وسلم انهم ليسوا بمعجزين لله في ملكه ولا غالبين عليه بل الله غالب على امره، وهو الذي يضلهم بسبب فسقهم، ويزيغ قلوبهم عن زيغ منهم، ويجعل الرجس عليهم بسلب توفيقه عنهم واستدراجه إياهم، قال تعالى: " ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون " (الأنفال: 59) وإذا كان الامر إلى الله سبحانه، وهو الذي يذب عن ساحة دينه الطاهرة كل رجس نجس فلم يفته شئ مما أراده ولا وجه للحزن إذا لم يكن فائت.
ولعله إلى ذلك الإشارة بقوله: " فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله " (الخ) دون أن يقال:
فإن تولوا فإنما يريد الله (الخ) أو ما يؤدى معناه فيؤول المعنى إلى تعليم أن توليهم إنما هو بتسخير إلهي فلا ينبغي أن يحزن ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنه رسول داع إلى سبيل ربه إن أحزنه شئ فإنما ينبغي أن يحزنه لغلبته إرادة الله في أمر الدعوة الدينية، وإذا كان الله سبحانه لا يعجزه شئ بل هو الذي يسوقهم إلى هنا وهناك بتسخير إلهي وتوفيق ومكر فلا موجب للحزن.
وقد بين تعالى هذه الحقيقة بلسان آخر في قوله: " ولعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث سفا إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا " (الكهف: 8) فبين أن الله تعالى لم يرد بإرسال الرسل والانذار والتبشير الديني إيمان الناس جميعا على حد ما يريده الانسان في حوائجه ومآربه وإنما ذلك كله امتحان وابتلاء يبتلى به الناس ليمتاز به من هو أحسن عملا، وإلا فالدنيا وما فيها ستبطل وتفنى فلا يبقى إلا الصعيد العاري من هؤلاء الكفار المعرضين عن الحديث الحق، ومن كل ما يتعلق به قلوبهم فلا موجب للأسف إذ لا يجر ذلك خيبة إلى سعينا ولا بطلانا لقدرتنا وكلالا لإرادتنا.
وقوله: " وإن كثيرا من الناس لفاسقون " في محل التعليل لقوله: " إنما يريد الله أن يصيبهم " (الخ) على ما تقدم بيانه.
قوله تعالى: " أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " تفريع بنحو الاستفهام على ما بين في الآية السابقة من توليهم مع كون ما يتولون عنه هو حكم
(٣٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 350 351 352 353 354 355 356 357 358 359 360 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 سورة النساء 5
2 (77 - 80) كلام في استناد الحسنات والسيئات إليه تعالى. (بحث قرآني) 9
3 (85 - 91) في معنى التحية. (بحث قرآني) 31
4 (95 - 100) في المستضعف. (بحث قرآني) 51
5 (105 - 126) في معنى العصمة. (بحث قرآني) 78
6 سورة المائدة 156
7 (1 - 3) في معنى العقد. (بحث قرآني) 158
8 بحث علمي في فصول ثلاثة: (1 - 3) 1 - العقائد في اكل اللحم. (بحث علمي) 183
9 (1 - 3) 2 - كيف امر بقتل الحيوان والرحمة تأباه؟ (بحث علمي) 184
10 (1 - 3) 3 - لماذا بني الاسلام على التذكية؟ (بحث علمي) 187
11 (15 - 19) كلام في طريق التفكر الذي يهدي إليه القرآن (بحث مختلط قرآني وروائي) 254
12 (15 - 19) في تاريخ التفكر الاسلامي اجمالا. (بحث تاريخي) 271
13 (27 - 32) كلام في معنى الاحساس والتفكير. (بحث قرآني) 308
14 (27 - 32) في تطبيق قصة ابني آدم على ما في التوراة. (بحث علمي) 323
15 (41 - 50) كلام في معنى الشريعة والفرق بينها وبين الدين والملة في عرف القرآن. (بحث قرآني) 350
16 (51 - 54) كلام في معنى مرض القلب. (بحث قرآني) 377
17 (51 - 54) كلام في كليات حوادث آخر الزمان. (بحث قرآني وروائي) 390