تعالى حكاية عن الكفار في قولهم لأنبيائهم: " لنخرجنكم من ارضنا أو لتعودن في ملتنا " (إبراهيم: 13).
فقد تلخص ان الدين في عرف القرآن أعم من الشريعة والملة وهما كالمترادفين مع فرق ما من حيث العناية اللفظية قوله تعالى: " ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم " بيان لسبب اختلاف الشرائع، وليس المراد بجعلهم أمة واحدة الجعل التكويني بمعنى النوعية الواحدة فإن الناس أفراد نوع واحد يعيشون على نسق واحد كما يدل عليه قوله تعالى:
" ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمان لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون " (الزخرف: 33).
بل المراد اخذهم بحسب الاعتبار أمة واحدة على مستوى واحد من الاستعداد والتهيؤ حتى تشرع لهم شريعة واحدة لتقارب درجاتهم الملحوظة فقوله: " ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة " من قبيل وضع علة الشرط موضع الشرط ليتضح باستحضارها معنى الجزاء أعني قوله: " ولكن ليبلوكم فيما آتاكم " أي ليمتحنكم فيما أعطاكم وانعم عليكم، ولا محالة هذه العطايا المشار إليها في الآية مختلفة في الأمم، وليست هي الاختلافات بحسب المساكن والألسنة والألوان فان الله لم يشرع شريعتين أو أكثر في زمان واحد قط بل هي الاختلافات بحسب مرور الزمان، وارتقاء الانسان في مدارج الاستعداد والتهيؤ وليست التكاليف الإلهية والاحكام المشرعة إلا امتحانا إلهيا للانسان في مختلف مواقف الحياة وان شئت فقل: اخراجا له من القوة إلى الفعل في جانبي السعادة والشقاوة، وان شئت فقل:
تمييزا لحزب الرحمان وعباده من حزب الشيطان فقد اختلف التعبير عنه في الكتاب العزيز، ومآل الجميع إلى معنى واحد، قال تعالى جريا على مسلك الامتحان: " وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين أم حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين " (آل عمران: 142) إلى غير ذلك من الآيات.
وقال جريا على المسلك الثاني: " فإما يأتينكم منى هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى " (طه: 124).
وقال جريا على المسلك الثالث: " وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا - إلى أن