" شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى " (الشورى: 13) فلا ينافي ذلك إذ الآية انما تدل على أن شريعة محمد صلى الله عليه وآله وسلم المشروعة لامته هي مجموع وصايا الله سبحانه لنوح وإبراهيم وموسى وعيسى مضافا إليها ما أوحاه إلى محمد صلى الله عليه وآله وعليهم، وهو كناية اما عن كون الاسلام جامعا لمزايا جميع الشرائع السابقة وزيادة، أو عن كون الشرائع جميعا ذات حقيقة واحدة بحسب اللب وان كانت مختلفة بحسب اختلاف الأمم في الاستعداد كما يشعر به أو يدل عليه قوله بعده.
ان أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه " (الشورى: 13).
فنسبة الشرائع الخاصة إلى الدين - - وهو واحد والشرائع تنسخ بعضها بعضا - كنسبة الاحكام الجزئية في الاسلام فيها ناسخ ومنسوخ إلى أصل الدين، فالله سبحانه لم يتعبد عباده إلا لدين واحد وهو الاسلام له إلا أنه سلك بهم لنيل ذلك مسالك مختلفة وسن لهم سننا متنوعة على حسب اختلاف استعداداتهم وتنوعها، وهى شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وآله وعليهم كما أنه تعالى ربما نسخ في شريعة واحدة بعض الأحكام ببعض لانقضاء مصلحة الحكم المنسوخ وظهور مصلحة الحكم الناسخ كنسخ الحبس المخلد في زنا النساء بالجلد والرجم وغير ذلك، ويدل على ذلك قوله تعالى: " ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم " (الآية).
وأما الملة فكان المراد بها السنة الحيوية المسلوكة بين الناس، وكان فيها معنى الاملال والاملاء فيكون هي الطريقة المأخوذة من الغير، وليس الأصل في معناه واضحا ذاك الوضوح، فالأشبه ان تكون مرادفة للشريعة بمعنى أن الملة كالشريعة هي الطريقة الخاصة بخلاف الدين، وإن كان بينهما فرق من حيث إن الشريعة تستعمل فيها بعناية أنها سبيل مهده الله تعالى لسلوك الناس إليه، والملة انما تطلق عليها لكونها مأخوذة عن الغير بالاتباع العملي، ولعله لذلك لا تضاف إلى الله سبحانه كما يضاف الدين والشريعة، يقال: دين الله وشريعة الله، ولا يقال: ملة الله.
بل انما تضاف إلى النبي مثلا من حيث إنها سيرته وسنته أو إلى الأمة من جهة انهم سائرون مستنون به، قال تعالى: " ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين " (البقرة:
135) وقال تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام: " إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب " (يوسف: 38) وقال