الآحاد المشتملة على ما لا شاهد له من الكتاب وغيره.
وقوله: " ادخلوا عليهم الباب " لعل المراد به أول بلد من بلاد أولئك الجبابرة يلي بني إسرائيل، وقد كان على ما يقال: " أريحاء، وهذا استعمال شائع أو المراد باب البلدة.
وقوله: " فإذا دخلتموه فإنكم غالبون " وعد منهما لهم بالفتح والظفر على العدو، وإنما أخبرا إخبارا بتيا اتكالا منهما بما ذكره موسى عليه السلام أن الله كتب لهم تلك الأرض لايمانهما بصدق أخباره، أو أنهما عرفا ذلك بنور الولاية الإلهية. وقد ذكر المعظم من مفسري الفريقين: أن الرجلين هما يوشع بن نون وكالب بن يوفنا وهما من نقباء بني إسرائيل الاثني عشر.
ثم دعواهم إلى التوكل على ربهم بقولهما: " وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين " لان الله سبحانه كافى من توكل عليه، وفيه تطييب لنفوسهم وتشجيع لهم.
قوله تعالى: " قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها " (الآية) تكرارهم قولهم: " إنا لن ندخلها " ثانيا لايئاس موسى عليه السلام من أن يصر على دعوته فيعود إلى الدعوة بعد الدعوة.
وفي الكلام وجوه من الاهانة والازراء والتهكم بمقام موسى وما ذكرهم به من أمر ربهم ووعده فقد سرد الكلام سردا عجيبا، فهم أعرضوا عن مخاطبة الرجلين الداعيين إلى دعوة موسى عليه السلام أولا، ثم أوجزوا الكلام مع موسى بعد ما أطنبوا فيه بذكر السبب والخصوصيات في بادئ كلامهم، وفي الايجاز بعد الاطناب في مقام التخاصم والتجاوب دلالة على استملال الكلام وكراهة استماع الحديث أن يمضى عليه المتخاصم الاخر. ثم أكدوا قولهم: " لن ندخلها " ثانيا بقولهم: " أبدا " ثم جراهم الجهالة على ما هو أعظم من ذلك كله، وهو قولهم مفرعين على ردهم الدعوة: " فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ".
وفي الكلام أوضح الدلالة على كونهم مشبهين كالوثنيين، وهو كذلك فإنهم القائلون على ما يحكيه الله سبحانه عنهم في قوله: " وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا الها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون " (الأعراف: 138) ولم يزالوا على التجسيم والتشبيه حتى اليوم على ما يدل عليه كتبهم