لحال مبلغ الحكم لا العامل الاخذ به المستجيب له.
وثانيا: أن المقام كان يقتضى رجوع موسى عليه السلام إلى ربه بالشكوى وهو في الحقيقة استنصار منه في إجراء الامر الإلهي.
وثالثا: أن قوله: " وأخي " معطوف على الياء في قوله: " إني " والمعنى: وأخي مثلي لا يملك إلا نفسه لا على قوله: " نفسي " فإنه خلاف ما يقتضيه السياق وإن كان المعنى صحيحا على جميع التقادير فإن موسى وهارون كما كانا يملك كل منهما من نفسه الطاعة والامتثال كان موسى يملك من نفس هارون الطاعة لكونه خليفته في حياته، وكذا كانا يملكان ممن أخلص لله من المؤمنين السمع والطاعة.
ورابعا: أن قوله: " فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين " ليس دعاء منه على بني إسرائيل بالحكم الفصل المستعقب لنزول العذاب عليهم أو بالتفريق بينهما وبينهم بإخراجهما من بينهم أو بتوفيهما فإنه عليه السلام كان يدعوهم إلى ما كتب الله لهم من تمام النعمة، وكان هو الذي كتب الله المن على بني إسرائيل بإنجائهم واستخلافهم في الأرض بيده كما قال تعالى: " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين " (القصص: 5).
وكان بنو إسرائيل يعلمون ذلك منه كما يستفاد من قولهم على ما حكى الله: " قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا " الآية (الأعراف: 129).
ويشهد بذلك أيضا قوله تعالى: " فلا تأس على القوم الفاسقين " فإنه يكشف عن أن موسى عليه السلام كان يشفق عليهم من نزول السخط الإلهي، وكان من المترقب أن يحزن بسبب حلول نقمة التيه بهم.
قوله تعالى: " قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين " الضمير في قوله: " فإنها " راجعة إلى الأرض المقدسة، والمراد بالتحريم التحريم التكويني وهو القضاء، والتيه التحير، واللام في " الأرض " للعهد، وقوله " فلا تأس " نهى من الأسى وهو الحزن، وقد أمضى الله تعالى قول موسى عليه السلام حيث وصفهم في دعائه بالفاسقين.
والمعنى: أن الأرض المقدسة أي دخولها وتملكها محرمة عليهم، أي قضينا أن