في ذلك كزوايا المثلث كلما زدت في مقدار واحدة منها نقصت من الأخريين وبالعكس.
وكان الكلام في التفسير يختلف اختلافا فاحشا بحسب اختلاف مشرب المفسرين بمعنى أن النظر العلمي في غالب الامر كان يحمل على القرآن من غير عكس إلا ما شذ.
وقد عرفت أن الكتاب يصدق من كل من الطرق ما هو حق، وحاشا أن يكون هناك باطن حق ولا يوافقه ظاهره، وحاشا أن يكون هناك حق من ظاهر أو باطن والبرهان الحق يدفعه ويناقضه.
ولذلك رام جمع من العلماء بما عندهم من بضاعة العلم على اختلاف مشاربهم أن يوفقوا بين الظواهر الدينية و العرفان كابن العربي وعبد الرزاق الكاشاني وابن فهد والشهيد الثاني والفيض الكاشاني.
وآخرون أن يوفقوا بين الفلسفة والعرفان كأبى نصر الفارابي والشيخ السهروردي صاحب الاشراف والشيخ صائن الدين محمد تركه.
وآخرون أن يوفقوا بين الظواهر الدينية والفلسفة كالقاضي سعيد وغيره.
وآخرون أن يوفقوا بين الجميع كابن سينا في تفاسيره وكتبه وصدر المتألهين الشيرازي في كتبه ورسائله وعدة ممن تأخر عنه.
ومع ذلك كله فالاختلاف العريق على حاله لا تزيد كثرة المساعى في قطع أصله إلا شدة في التعرق، ولا في إخماد ناره إلا اشتعالا:
الفيت كل تميمة لا تنفع وأنت لا ترى أهل كل فن من هذه الفنون إلا ترمى غيره بجهالة أو زندقة أو سفاهة رأى، والعامة تتبرى منهم جميعا.
كل ذلك لما تخلفت الأمة في أول يوم عن دعوة الكتاب إلى التفكر الاجتماعي (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تتفرقوا) والكلام ذو شجون.
اللهم اهدنا إلى ما يرضيك عنا واجمع كلمتنا على الحق، وهب لنا من لدنك وليا، وهب لنا من لدنك نصيرا.