الدائرة بينهم.
قوله تعالى: " قال رب انى لا أملك الا نفسي واخى فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين السياق يدل على أن قوله: " إني لا أملك الا نفسي وأخي " كناية عن نفى القدرة على حمل غير نفسه وأخيه على ما أتاهم به من الدعوة. فإنه انما كان في مقدرته حمل نفسه على امضاء ما دعا إليه وحمل أخيه هارون وقد كان نبيا مرسلا وخليفة له في حياته لا يتمرد عن أمر الله سبحانه. أو أن المراد أنه ليس له قدرة الا على نفسه ولا لأخيه قدرة الا كذلك.
وليس مراده نفى مطلق القدرة حتى من حيث إجابة المسئول لايمان ونحوه حتى ينافي ظاهر سياق الآية أن الرجلين من الذين يخافون وآخرين غيرهما كانوا مؤمنين به مستجيبين لدعوته فإنه لم يذكر فيمن يملكه حتى أهله وأهل أخيه مع أن الظاهر أنهم ما كانوا ليتخلفوا عن أوامره.
وذلك أن المقام لا يقتضى الا ذلك فإنه دعاهم إلى خطب مشروع فأبلغ وأعذر فرد عليه المجتمع الإسرائيلي دعوته أشنع رد وأقبحه، فكان مقتضى هذا الحال أن يقول:
رب انى أبلغت وأعذرت ولا أملك في إقامة أمرك الا نفسي وكذلك أخي، وقد قمنا بما علينا من واجب التكليف ولكن القوم واجهونا بأشد الامتناع، ونحن الان آئسان منهم، والسبيل منقطع فاحلل أنت هذه العقدة ومهد بربوبيتك السبيل إلى نيل ما وعدته لهم من تمام النعمة وايراثهم الأرض واستخلافهم فيها، واحكم وافصل بيننا وبين هؤلاء الفاسقين.
وهذا المورد على خلاف جميع الموارد التي عصوا فيها أمر موسى كمسألة الرؤية وعبادة العجل ودخول الباب وقول حطة وغيرها يختص بالرد الصريح من المجتمع الإسرائيلي لامره من غير أي رفق وملائمة، ولو تركهم موسى على حالهم، وأغمض عن أمره لبطلت الدعوة من أصلها، ولم يتمش له بعد ذلك أمر ولا نهى وتلاشت بينهم أركان ما أوجده من الوحدة.
ويتبين بهذا البيان اولا: أن مقتضى هذا الحال أن يتعرض موسى عليه السلام في شكواه إلى ربه لحال نفسه وأخيه، وهما المبلغان عن الله تعالى، ولا يتعرض لحال غيرهما من المؤمنين وإن كانوا غير متمردين. إذ لا شأن لهم في التبليغ والدعوة، والمقام إنما يقتضى التعرض