إلى ذلك الحس، تصورية كانت أو تصديقية، نظرية كانت أو بديهية، ولو كانت العلوم موجودة للهوية الانسانية بالفعل لم يؤثر الفقد المفروض في ذلك، والقول بأن العمى والصمم ونحوهما مانعه عن التذكر رجوع عن أصل القول وهو أن التذكر بمعنى الرجوع إلى النفس بالانصراف عن التعلقات المادية مفيد لذكر المطلوب بارتفاع الغفلة.
وثانيا: أن التذكر إنما يوفق له بعض أفراد هذا النوع، وعامة الافراد يستعملون في مقاصدهم الحيوية سنة التأليف والاستنتاج ويستنتجون من ذلك الألوف بعد الألوف من النتائج المستقيمة، وعلى ذلك يجرى الحال في جميع العلوم والصناعات، وإنكار شئ من ذلك مكابرة، وحمل ذلك على الاتفاق مجازفة فالأخذ بهذه السنة أمر فطرى للانسان لا محيد عنه، ومن المحال أن يجهز نوع من الأنواع بجهاز فطرى تكويني ثم يخبط في عمله ولا ينجح في مسعاه.
وثالثا: أن جميع ما ينال هؤلاء بما يسمونه تذكرا يعود بالتحليل إلى مقدمات مترتبة ترتيبا منطقيا بحيث يختل أمر النتيجة فيها باختلال شئ من الأصول المقررة في هيئتها ومادتها، فهم يستعملون الأصول المنطقية من حيث لا يحسون به، والاتفاق والصحابة الدائمان لا محصل لهما، وعليهم أن يأتوا بصورة علمية تذكرية صحيحة لا تجرى فيها أصول المنطق.
وأما القول بالتذكر بمعنى إغنائه عن الرجوع إلى الأصول المنطقية - ويرجع محصله إلى إن هناك طريقين: طريق المنطق وطريق التذكر باتباع الشرع مثلا، والطريقان سواء في الإصابة أو أن طريق التذكر أفضل وأولى لإصابته دائما لموافقته قول المعصوم بخلاف طريق المنطق والعقل - ففيه خطر الوقوع في الغلط دائما أو غالبا.
وكيف كان يرد عليه الاشكال الثاني الوارد على ما تقدمه فان الإحاطة بجميع مقاصد الكتاب والسنة ورموزها وأسرارها على سعة نطاقها العجيبة غير متأت إلا للآحاد من الناس المتوغلين في التدبر في المعارف الدينية على ما فيها من الارتباط العجيب، والتداخل البالغ بين أصولها وفروعها وما يتعلق منها بالاعتقاد وما يتعلق منها بالاعمال الفردية والاجتماعية، ومن المحال أن يكلف الانسان تكوينا بالتجهيز التكويني بما وراء طاقته واستطاعته أو يكلف بذلك تشريعا فليس على الناس إلا أن يعقلوا مقاصد الدين بما هو الطريق المألوف عندهم في شؤون حياتهم الفردية والاجتماعية، وهو ترتيب المعلومات لاستنتاج