ومشيئة وإرادة كذلك فليس له ذلك لا كتابا ولا سنة ولا عقلا، وقد تقدم شطر من الكلام المتعلق بهذا الباب في بحث المحكم والمتشابه في الجزء الثالث من الكتاب.
10 - وقول بعضهم: " إن الدليل على حجية المقدمات التي قامت عليها الحجج العقلية ليس إلا المقدمة العقلية القائلة بوجوب اتباع الحكم العقلي، وبعبارة أخرى لا حجة على حكم العقل إلا نفس العقل وهذا دور مصرح فلا محيص في المسائل الخلافية عن الرجوع إلى قول المعصوم من نبي أو إمام من غير تقليد ". هذا، وهو أسخف تشكيك أورد في هذا الباب وإنما أريد به تشييد بنيان فأنتج هدمه، فإن القائل أبطل به حكم العقل بالدور المصرح على زعمه ثم لما عاد إلى حكم الشرع لزمه إما أن يستدل عليه بحكم العقل وهو الدور، أو بحكم الشرع وهو الدور فلم يزل حائرا يدور بين دورين. إلا أن يرجع إلى التقليد وهو حيرة ثانية.
وقد اشتبه عليه الامر في تحصيل معنى " وجوب متابعة حكم العقل " فإن أريد بوجوب متابعة حكم العقل ما يقابل الحظر والإباحة ويستتبع مخالفته ذما أو عقابا نظير وجوب متابعة الناصح المشفق، ووجوب العدل في الحكم ونحو ذلك فهو حكم العقل العملي ولا كلام لنا فيه، وإن أريد بوجوب المتابعة أن الانسان مضطر على تصديق النتيجة إذا استدل عليه بمقدمات علمية وشكل صحيح علمي مع التصور التام لأطراف القضايا فهذا أمر يشاهده الانسان بالوجدان، ولا معنى عندئذ لان يسأل العقل عن الحجة، لحجية حجته لبداهة حجيته. وهذا نظير سائر البديهيات، فإن الحجة على كل بديهي انما هي نفسه، ومعناه أنه مستغن عن الحجة.
11 - وقول بعضهم: " ان غاية ما يرومه المنطق هو الحصول على الماهيات الثابتة للأشياء، والحصول على النتائج بالمقدمات الكلية الدائمة الثابتة، وقد ثبت بالأبحاث العلمية اليوم أن لا كلى ولا دائم ولا ثابت في خارج ولا ذهن وإنما هي الأشياء تجرى تحت قانون التحول العام من غير أن يثبت شئ بعينه على حال ثابتة أو دائمة أو كلية.
وهذا فاسد من جهة أنه استعمل فيه الأصول المنطقية هيئة ومادة كما هو ظاهر لمن تأمل فيه. على أن المتعرض يريد بهذا الاعتراض بعينه أن يستنتج أن المنطق القديم غير صحيح البتة، وهى نتيجة كلية دائمة ثابتة مشتملة على مفاهيم ثابتة، وإلا لم يفده شيئا