6 - وقول بعضهم: " إن جميع ما يحتاج إليه النفوس الانسانية مخزونة في الكتاب العزيز، مودعة في أخبار أهل العصمة عليه السلام فما الحاجة إلى أسار الكفار والملاحدة؟ ".
والجواب عنه أن الحاجة إليها عين عن الحاجة التي تشاهد في هذا الكلام بعينه، فقد ألف تأليفا اقترانيا منطقيا، واستعملت فيه المواد اليقينية لكن غولط فيه أولا بأن تلك الأصول المنطقية بعض ما هو مخزون مودع في الكتاب والسنة، ولا طريق إليها إلا البحث المستقل.
وثانيا: أن عدم حاجة الكتاب والسنة واستغناء هما عن ضميمة تنضم إليهما غير عدم حاجة المتمسك بهما والمتعاطي لهما، وفيه المغالطة، وما مثل هؤلاء الا كمثل الطبيب الباحث عن بدن الانسان لو ادعى الاستغناء عن تعلم العلوم الطبيعية والاجتماعية والأدبية، لان الجميع متعلق بالانسان. أو كمثل الانسان الجاهل إذا استنكف عن تعلم العلوم معتذرا أن جميع العلوم مودعة في الفطرة الانسانية.
وثالثا: أن الكتاب والسنة هما الداعيان إلى التوسع في استعمال الطرق العقلية الصحيحة (وليست الا المقدمات البديهية أو المتكئة على البديهية) قال تعالى: " فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب " (الزمر: 18) إلى غير ذلك من الآيات والأخبار الكثيرة، نعم الكتاب والسنة ينهيان عن اتباع ما يخالفهما مخالفة صريحة قطعية لان الكتاب والسنة القطعية من مصاديق ما دل صريح العقل على كونهما من الحق والصدق، ومن المحال أن يبرهن العقل ثانيا على بطلان ما برهن على حقيته أولا، والحاجة إلى تمييز المقدمات العقلية الحقة من الباطلة ثم التعلق بالمقدمات الحقة كالحاجة إلى تمييز الآيات والاخبار المحكمة من المتشابهة ثم التعلق بالمحكمة منهما، وكالحاجة إلى تمييز الاخبار الصادرة حقا من الاخبار الموضوعة والمدسوسة وهى أخبار جمة.
ورابعا: أن الحق حق أينما كان وكيفما أصيب وعن أي محل أخذ، ولا يؤثر فيه إيمان حامله وكفره، ولا تقواه وفسقه، والاعراض عن الحق بغضا لحامله ليس إلا تعلقا بعصبية الجاهلية التي ذمها الله سبحانه وذم أهلها في كتابه العزيز وبلسان رسله عليهم السلام.