هذا محصل كلامه وقد لخصناه تلخيصا.
وليت شعري أي جهة من الجهات الموضوعة في هذا الكلام على كثرتها تقبل الاصلاح والترميم فقد استظهر الداء على الدواء.
أما ما ذكره من تاريخ المتكلمين وانحرافهم عن الأئمة عليهم السلام وقصدهم إلى تطبيق الفلسفة على القرآن وانقسامهم بذلك إلى فرقتي الإشارة والمعتزلة وظهور الصوفية وزعمهم أنهم ومتبعيهم في غنى عن الكتاب والسنة وبقاء الامر على هذا الحال وظهور الفلسفة العرفانية في القرن الثالث عشر كل ذلك مما يدفعه التاريخ القطعي، وسيجئ إلى إشارة إلى ذلك كله إجمالا.
على أن فيه خطأ فاحشا بين الكلام والفلسفة فإن الفلسفة تبحث بحثا حقيقيا ويبرهن على مسائل مسلمة بمقدمات يقينية والكلام يبحث بحثا أعم من الحقيقي والاعتباري، ويستدل على مسائل موضوعة مسلمة بمقدمات هي أعم من اليقينية والمسلمة، فبين الفنين أبعد مما بين السماء والأرض، فكيف يتصور أن يروم أهل الكلام في كلامهم تطبيق الفلسفة على القرآن؟ على أن المتكلمين لم يزالوا منذ أول ناجم نجم منهم إلى يومنا هذا في شقاق مع الفلاسفة والعرفاء، والموجود من كتبهم ورسائلهم والمنقول من المشاجرات الواقعة بينهم أبلغ شاهد يشهد بذلك.
ولعل هذا الاسناد مأخوذ من كلام بعض المستشرقين القائل بأن نقل الفلسفة إلى الاسلام هو الذي أوجد علم الكلام بين المسلمين. هذا، وقد جهل هذا القائل معنى الكلام والفلسفة وغرض الفنين والعلل الموجبة لظهور التكلم ورمى من غير مرمى.
وأعجب من ذلك كله أنه ذكر بعد ذلك: الفرق بين الكلام والفلسفة بأن البحث الكلامي يروم إثبات مسائل المبدء والمعاد مع مراعاة جانب الدين والبحث الفلسفي يروم ذلك من غير أن يعتنى بأمر الدين ثم جعل ذلك دليلا على كون السلوك من طريق الأصول المنطقية والعقلية سلوكا مباينا لسلوك الدين مناقضا للطريق المشروع فيه هذا. فزاد في الفساد، فكل ذي خبرة يعلم أن كل من ذكر هذا الفرق بين الفنين أراد أن يشير إلى أن القياسات المأخوذة في الأبحاث الكلامية جدلية مركبة من مقدمات مسلمة: (المشهورات والمسلمات) لكون الاستدلال بها على مسائل مسلمة، وما أخذ في الأبحاث الفلسفية منها