تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٥ - الصفحة ٢٦٩
أول كينونته صفر الكف من هذه العلوم والمعارف الوسيعة حتى تشعر قواه الداخلة بحوائجها، وتقترح عليه ما تشتهيها وتطلبها، وهذه الشورات الابتدائية هي مبادئ علوم الانسان ثم لا يزال الانسان يعمم ويخصص ويركب ويفصل حتى يتم له أمر الأفكار الانسانية.
ومن هنا يحدس اللبيب ان توغل الانسان في طاعة قوة من قواه المتضادة وإسرافه في إجابة ما تقترح عليه يوجب انحرافه في أفكاره ومعارفه بتحكيم جميع ما تصدقه هذه القوة على ما يعطيه غيرها من التصديقات والأفكار وغفلته عما يقتضيه غيرها.
والتجربة تصدق ذلك فإن هذا الانحراف هو الذي نشاهده في الافراد المسرفين المترفين من حلفاء الشهوة، وفى البغاة الطغاة الظلمة المفسدين أمر الحياة في المجتمع الانساني فإن هؤلاء الخائضين في لجج الشهوات، العاكفين على لذائذ الشرب والسماع والوصال لا يكادون يستطيعون التفكر في واجبات الانسانية، ومهام الأمور التي يتنافس فيها أبطال الرجال وقد تسربت روح الشهوة في قعودهم وقيامهم واجتماعهم وافتراقهم وغير ذلك، وكذلك الطغاة المستكبرون أقسياء القلوب لا يتأتى لهم ان يتصوروا رأفة وشفقة ورحمة وخضوعا وتذللا حتى فيما يجب فيه ذلك، وحياتهم تمثل حالهم الخبيث الذي هم عليه في جميع مظاهرها من تكلم وسكوت ونظر وغض وإقبال وإدبار، فهؤلاء جميعا سالكو طريق الخطأ في علومهم، كل طائفة منهم مكبة على ما تناله من العلوم والأفكار المحرفة المنحرفة المتعلقة بما عنده، غافلون عما وراءه، وفيما وراءه العلوم النافعة والمعارف الحقة الانسانية فالمعارف الحقة والعلوم النافعة لا تتم للانسان إلا إذا صلحت أخلاقه وتمت له الفضائل الانسانية القيمة، وهو التقوى.
فقد تحصل ان الأعمال الصالحة هي التي تحفظ الأخلاق الحسنة، والأخلاق الحسنة هي التي تحفظ المعارف الحقة والعلوم النافعة والأفكار الصحيحة، ولا خير في علم لا عمل معه.
وهذا البحث وإن سقناه سوقا علميا أخلاقيا لمسيس الحاجة إلى التوضيح إلا أنه هو الذي جمعه الله تعالى في كلمة حيث قال: " واقصد في مشيك " (لقمان: 19) فإنه كناية عن أخذ وسط الاعتدال في مسير الحياة، وقال: " إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا " (الأنفال:
29) وقال: " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولى الألباب " (البقرة: 197)، أي لأنكم أولوا الألباب تحتاجون في عمل لبكم إلى التقوى والله أعلم، وقال تعالى: " ونفس
(٢٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 274 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 سورة النساء 5
2 (77 - 80) كلام في استناد الحسنات والسيئات إليه تعالى. (بحث قرآني) 9
3 (85 - 91) في معنى التحية. (بحث قرآني) 31
4 (95 - 100) في المستضعف. (بحث قرآني) 51
5 (105 - 126) في معنى العصمة. (بحث قرآني) 78
6 سورة المائدة 156
7 (1 - 3) في معنى العقد. (بحث قرآني) 158
8 بحث علمي في فصول ثلاثة: (1 - 3) 1 - العقائد في اكل اللحم. (بحث علمي) 183
9 (1 - 3) 2 - كيف امر بقتل الحيوان والرحمة تأباه؟ (بحث علمي) 184
10 (1 - 3) 3 - لماذا بني الاسلام على التذكية؟ (بحث علمي) 187
11 (15 - 19) كلام في طريق التفكر الذي يهدي إليه القرآن (بحث مختلط قرآني وروائي) 254
12 (15 - 19) في تاريخ التفكر الاسلامي اجمالا. (بحث تاريخي) 271
13 (27 - 32) كلام في معنى الاحساس والتفكير. (بحث قرآني) 308
14 (27 - 32) في تطبيق قصة ابني آدم على ما في التوراة. (بحث علمي) 323
15 (41 - 50) كلام في معنى الشريعة والفرق بينها وبين الدين والملة في عرف القرآن. (بحث قرآني) 350
16 (51 - 54) كلام في معنى مرض القلب. (بحث قرآني) 377
17 (51 - 54) كلام في كليات حوادث آخر الزمان. (بحث قرآني وروائي) 390