إلهية أنهم إن اجتنبوا البعض من المعاصي كفر عنهم البعض الآخر فليس إغراء على ارتكاب المعاصي الصغار فإن ذلك لا معنى له لان الآية تدعو إلى ترك الكبائر بلا شك وارتكاب الصغيرة من جهة أنها صغيرة لا يعبأ بها ويتهاون في أمرها يعود مصداقا من مصاديق الطغيان والاستهانة بأمر الله سبحانه وهذا من أكبر الكبائر بل الآية تعد تكفير السيئات من جهة أنها سيئات لا يخلو الانسان المخلوق على الضعف المبنى على الجهالة من ارتكابها بغلبة الجهل والهوى عليه فمساق هذه الآية مساق الآية الداعية إلى التوبة التي تعد غفران الذنوب كقوله تعالى قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم الآية: الزمر - 54 فكما لا يصح أن يقال هناك إن الآية تغرى إلى المعصية بفتح باب التوبة وتطييب النفوس بذلك فكذا ههنا بل أمثال هذه الخطابات إحياء للقلوب الآئسة بالرجاء.
ومن هنا يعلم أن الآية لا تمنع عن معرفة الكبائر بمعنى أن يكون المراد بها اتقاء جميع المعاصي مخافة الوقوع في الكبائر والابتلاء بارتكابها فإن ذلك معنى بعيد عن مساق الآية بل المستفاد من الآية أن المخاطبين هم يعرفون الكبائر ويميزون هؤلاء الموبقات من النهى المتعلق بها ولا أقل من أن يقال إن الآية تدعو إلى معرفة الكبائر حتى يهتم المكلفون في الاتقاء منها كل الاهتمام من غير تهاون في جنب غيرها فإن ذلك التهاون كما عرفت إحدى الكبائر الموبقة.
وذلك أن الانسان إذا عرف الكبائر وميزها وشخصها عرف أنها حرمات لا يغمض من هتكها بالتكفير إلا عن ندامة قاطعة وتوبة نصوح ونفس هذا العلم مما يوجب تنبه الانسان وانصرافه عن ارتكابها.
وأما الشفاعة فإنها وإن كانت حقه إلا أنك قد عرفت فيما تقدم من مباحثها أنها لا تنفع من استهان بأمر الله سبحانه واستهزأ بالتوبة والندامة واقتراف المعصية بالاعتماد على الشفاعة تساهل وتهاون في أمر الله سبحانه وهو من الكبائر الموبقة القاطعة لسبيل الشفاعة قطعا.
ومن هنا يتضح معنى ما تقدم أن كبر المعصية إنما يعلم من شدة النهى الواقع عنها بإصرار أو تهديد بالعذاب كما تقدم