(إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما (17) - وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك اعتدنا لهم عذابا أليما (18)):
(بيان) مضمون الآيتين لا يخلو عن ارتباط بما تقدمهما من الآيتين فإنهما قد اختتمتا بذكر التوبة فمن الممكن أن يكون هاتان نزلتا مع تينك وهاتان الآيتان مع ذلك متضمنتان لمعنى مستقل في نفسه وهو إحدى الحقائق العالية الاسلامية والتعاليم الراقية القرآنية وهي حقيقة التوبة وشأنها وحكمها.
قوله تعالى إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب التوبة هي الرجوع وهي رجوع من العبد إلى الله سبحانه بالندامة والانصراف عن الاعراض عن العبودية ورجوع من الله إلى العبد رحمة بتوفيقه للرجوع إلى ربه أو بغفران ذنبه وقد مر مرارا أن توبة واحدة من العبد محفوفة بتوبتين من الله سبحانه على ما يفيده القرآن الكريم.
وذلك أن التوبة من العبد حسنة تحتاج إلى قوة والحسنات من الله والقوة لله جميعا فمن الله توفيق الأسباب حتى يتمكن العبد من التوبة ويتمشى له الانصراف عن التوغل في غمرات البعد والرجوع إلى ربه ثم إذا وفق للتوبة والرجوع احتاج في التطهر من هذه الألواث وزوال هذه القذارات والورود و الاستقرار في ساحة القرب إلى رجوع آخر من ربه إليه بالرحمة والحنان والعفو والمغفرة.