الأمور عليهم وإفساد دعوتهم ومبتلين في خارج جمعهم بثوران الدنيا عليهم وانتهاض المشركين واليهود والنصارى لابطال دعوتهم وإخماد نارهم وإطفاء نورهم بأي وسيلة أمكنت من لسان أو يد وأن غرض السورة دعوتهم إلى توحيد الكلمة وإلى الصبر والثبات ليصلح بذلك أمرهم وينقطع ما نشأ من الفساد في داخل جوهم وما يطرأ ويهجم عليهم منه من خارجه.
وقد كانت الآيات السابقة أعني قوله تعالى هو الذي أنزل عليك الكتاب إلى قوله تعالى إن الله لا يخلف الميعاد تعريضا للمنافقين والزائغين قلبا ودعوة للمسلمين إلى التثبت فيما فهموه من معارف الدين والتسليم والايمان فيما اشتبه لهم ولم يفتهموه من كنهه وحقيقته بالتنبيه على أن شر ما يفسد أمر الدين ويجر المسلمين إلى الفتنة واختلال نظام السعادة هو اتباع المتشابهات وابتغاء التأويل فيتحول بذلك الهداية الدينية إلى الغي والضلال ويتبدل به الاجتماع افتراقا والشمل شتاتا.
ثم وقع التعرض في هذه الآيات لحال الكفار والمشركين وأنهم سيغلبون وليسوا بمعجزين لله سبحانه ولا ناجحين في عتوهم بالتنبيه على أن الذي أوجب ضلالهم والالتباس عليهم هو ما زين لهم من مشتهيات الدنيا فزعموا بما رزقوا من مالها وولدها أن ذلك مغن لهم من الله سبحانه شيئا وقد أخطأوا في زعمهم فالله سبحانه هو الغالب في أمره ولو كان المال والأولاد وما أشبهها مغنية من الله شيئا لأغنت آل فرعون ومن قبلهم من الأمم الظالمة اولي الشوكة والقدرة لكنها لم تغن عنهم شيئا وأخذهم الله بذنوبهم فكذلك هؤلاء سيغلبون ويؤخذون فمن الواجب على المؤمنين أن يتقوا الله في هذه المشتهيات حتى ينالوا بذلك سعادة الدنيا وثواب الآخرة ورضوان ربهم سبحانه.
فالآيات كما تعطيه مضامينها متعرضة لحال الكفار كما أن الآيات التالية لهذه الآيات متعرضة لحال أهل الكتاب من اليهود والنصارى على ما سيأتي.
قوله تعالى إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا أغنى عنه ماله من فلان أي أعطاه الغنى ورفع حاجته فلا حاجة به إليه والانسان في بادي تكونه وشعوره يرى نفسه محتاجة إلى الخارج منه وهذا أول علمه الفطري إلى احتياجه إلى الصانع المدبر ثم إنه لما توسط في الأسباب وأحس بحوائجه بدء بإحساس الحاجة إلى كماله البدني النباتي وهو الغذاء والولد ثم عرفت له نفسه سائر الكمالات