ومنه تسمية العادة دأبا لأنه سير مستمر وهذا المعنى هو المراد في الآية.
وقوله كدأب متعلق بمقدر يدل عليه قوله في الآية السابقة لن تغني عنهم ويفسر الدأب قوله كذبوا بآياتنا وهو في موضع الحال وتقدير الكلام كما مرت إليه الإشارة إن الذين كفروا كذبوا بآياتنا واستمروا عليها دائبين فزعموا أن في أموالهم وأولادهم غنى لهم من الله كدأب آل فرعون ومن قبلهم وقد كذبوا بآياتنا.
وقوله فأخذهم الله بذنوبهم ظاهر الباء أنها تفيد السببية يقال أخذته بذنبه أي بسبب ذنبه لكن مقتضى المحاذاة التي بين الآيتين وقياسه حال هؤلاء الذين كفروا في دأبهم على آل فرعون والذين من قبلهم في دأبهم أن يكون الباء للآلة فإنه ذكر في الذين كفروا أنهم وقود النار تشتعل عليهم أنفسهم ويعذبون بها فكذلك آل فرعون ومن قبلهم إنما أخذوا بذنوبهم وكان العذاب الذي حل بساحتهم هو عين الذنوب التي أذنبوها وكان مكرهم هو الحائق بهم وظلمهم عائدا إليهم قال تعالى " ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله " الفاطر - 43 وقال تعالى وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون " البقرة - 57.
ومن هنا يتبين معنى كونه شديد العقاب فإن عقابه تعالى لا يقصد الانسان ولا يتوجه إليه من جهة دون جهة وفي محل دون محل وعلى شرط دون شرط كما أن عقاب غيره كذلك فإن الشر الذي يوجهه إلى الانسان مثله مثلا إنما يتوجه إليه من بعض الجهات دون بعض كفوق وتحت وفي بعض الأماكن دون بعض فيدفع بالفرار والتوقي والالتجاء مثلا وهذا بخلاف عقابه تعالى فإنه يأخذ الانسان بعمله وذنبه وهو مع الانسان في باطنه وظاهره من غير أن ينفك عنه ويجعل الانسان وقودا لنار أحاط به سرادقها ولا ينفعه فرار ولا قرار ولا يوجد منه مناص ولا خلاص فهو شديد العقاب.
وفي قوله تعالى كذبوا بآياتنا فأخذهم الله التفات من الغيبة إلى الحضور أولا ثم من الحضور إلى الغيبة ثانيا أما قوله كذبوا بآياتنا ففيه تنشيط لذهن السامع وتقريب للخبر إلى الصدق فإنه بمنزلة أن يقول القائل إن فلانا بذي فحاش سيئ المحاضرة وقد ابتليت به فيجب الاجتناب عن معاشرته فجملة وقد ابتليت به