على أن الآية ظاهرة في أن هذه القصة كانت معهودة عند المخاطبين بهذه الخصوصية وهم على ذكر منها حيث يقول قد كان لكم آية الخ ولم يقص تعالى قصة يذكر فيها التصرف في أبصار المقاتلين غير قصة بدر والذي ذكره في قصة بدر في سورة الأنفال من قوله تعالى وإذ يريكموهم إذا التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا وإلى الله ترجع الأمور الأنفال - 44 وإن كان هو التقليل دون التكثير لكن لا يبعد أن يكون قد قلل فيها المؤمنين في أعين المشركين ليجترئوا عليهم ولا يتولوا عن المقارعة ثم كثرهم في أعينهم بعد التلاقي والاختلاط لينهزموا بذلك.
وكيف كان فالمعتمد ما كان في ذكرهم من التكثير في العيون فعلى تقدير أن يكون الخطاب في الآية متوجها إلى المشركين لا تنطبق الآية على غير وقعة بدر على أن قرائة ترونهم بالتاء أيضا تؤيد ما ذكرناه.
فمحصل معنى الآية أنكم أيها المشركون لو كنتم من أولي الأبصار والبصائر لكفاكم في الاعتبار والدلالة على أن الغلبة للحق وأن الله يؤيد بنصره من يشاء ولا يغلب بمال ولا ولد ما رأيتموه يوم بدر فقد كان المؤمنون مقاتلين في سبيل الله سبحانه وقد كانوا فئة قليلة مستذلين لا يبلغون ثلث الفئة الكافرة ولا يقاسون بهم قوة كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ليس لهم إلا ستة أدرع وثمانية سيوف وفرسان وكان جيش المشركين قريبا من ألف مقاتل لهم من العدة والقوة والخيل والجمال والهيئة ما لا يقدر بقدر فنصر الله المؤمنين على قلتهم وذلتهم على أعدائه وكثرهم في أعينهم فكانوا يرونهم مثليهم رأى العين وأيدهم الملائكة فلم ينفع المشركين ما كانوا يتعززون به من أموال وأولاد ولم يغنم جمعهم ولا كثرتهم وقوتهم من الله شيئا.
وقد ذكر الله سبحانه دأب آل فرعون والذين من قبلهم في تكذيب آيات الله وأخذهم بذنوبهم في سورة الأنفال عند ذكر القصة مرتين ما ذكره هيهنا بعينه.
وفي موعظتهم بتذكير وقعة بدر إيماء إلى أن المراد بالغلبة في الآيات السابقة الغلبة بالقتل والإبادة ففي آياته تهديد بالقتال.
قوله تعالى فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة لم يقل وأخرى في سبيل