التجافي والاغماض عنه بنص القرآن وما تكلموا فيه من غير إسناده إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو وإن لم يجر مجرى النبويات في حجيتها لكن القلب إليه أسكن فإن ما ذكروه في تفسير الآيات إما مسموع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو شئ هداهم إليه الذوق المكتسب من بيانه وتعليمه صلى الله عليه وآله وسلم وكذا ما ذكره تلامذتهم من التابعين ومن يتلوهم وكيف يخفى عليهم معاني القرآن مع تعرقهم في العربية وسعيهم في تلقيها من مصدر الرسالة واجتهادهم البالغ في فقه الدين على ما يقصه التاريخ من مساعي رجال الدين في صدر الاسلام.
ومن هنا يظهر أن العدول عن طريقتهم وسنتهم والخروج من جماعتهم وتفسير آية من الآيات بما لا يوجد بين أقوالهم وآرائهم بدعة والسكوت عما سكتوا عنه واجب.
وفي ما نقل عنهم كفاية لمن أراد فهم كتاب الله تعالى فإنه يبلغ زهاء الوف من الروايات وقد ذكر السيوطي أنه أنهاه إلى سبعة عشر ألف رواية عن النبي وعن الصحابة والتابعين.
قلت قد مر فيما تقدم أن الآيات التي تدعو الناس عامة من كافر أو مؤمن ممن شاهد عصر النزول أو غاب عنه إلى تعقل القرآن وتأمله والتدبر فيه وخاصة قوله تعالى: " أ فلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا النساء - 82 تدل دلالة واضحة على أن المعارف القرآنية يمكن أن ينالها الباحث بالتدبر والبحث ويرتفع به ما يترائى من الاختلاف بين الآيات والآية في مقام التحدي ولا معنى لارجاع فهم معاني الآيات والمقام هذا المقام إلى فهم الصحابة وتلامذتهم من التابعين حتى إلى بيان النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإن ما بينه إما أن يكون معنى يوافق ظاهر الكلام فهو مما يؤدى إليه اللفظ ولو بعد التدبر والتأمل والبحث وإما أن يكون معنى لا يوافق الظاهر ولا أن الكلام يؤدي إليه فهو مما لا يلائم التحدي ولا تتم به الحجة وهو ظاهر.
نعم تفاصيل الاحكام مما لا سبيل إلى تلقيه من غير بيان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما أرجعها القرآن إليه في قوله تعالى: " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " الحشر - 7 وما في معناه من الآيات وكذا تفاصيل القصص والمعاد مثلا.