الحيوانية وهي التي يزينها له الخيال من زخارف الدنيا من زينة الملبس والمسكن والمنكح وغير ذلك وعندئذ يتبدل طلب الغذاء إلى طلب المال الذي يظنه مفتاحا لحل جميع مشكلات الحياة لان العادة الغالبة تجري على ذلك فيظن أن سعادة حياته في المال والولد بعد ما كان يظن أن ضامن سعادته هو الغذاء والولد ثم انكباب نفسه على مشتهياته وقصر همه على الأسباب يوجب أن يقف قلبه عند الأسباب ويعطي لها الاستقلال وحينئذ ينسى ربه ويتشبث بذيل المال والولد وفي هذا الجهل هلاكه فإنه يستر به آيات ربه ويكفر بها وقد التبس عليه الامر فإن ربه هو الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا يستغني عنه شئ بحال ولا يغني عنه شي بحال.
وبهذا البيان يظهر وجه تقديم الأموال على الأولاد في الآية فإن الركون إلى المال وقد عرفت أن الأصل فيه الغذاء أقدم عند الانسان من الركون إلى الأولاد وأعرف منه وإن كان حب الولد ربما غلب عند الانسان على حب المال.
وفي الآية إيجاز شبيه دفع الدخل والتقدير إن الذين كفروا كذبوا بآياتنا وزعموا أن أموالهم وأولادهم تغنيهم من الله وقد أخطأوا فلا غنى من الله سبحانه في وقت ولا في شئ على ما تدل عليه الآية التالية.
قوله تعالى وأولئك هم وقود النار الوقود بفتح الواو ما توقد به النار وتشتعل والآية جارية مجرى قوله تعالى: " فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة " البقرة - 24 وقوله تعالى " إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم " الأنبياء - 98 وقد مر بعض الكلام في معنى ذلك في سورة البقرة.
والاتيان بالجملة الاسمية والابتداء باسم الإشارة وكونه دالا على البعد وتوسيط ضمير الفصل وإضافة الوقود إلى النار دون أن يقال وقود كل ذلك يؤكد ظهور الكلام في الحصر ولازمه كون المكذبين من الكفار هم الأصل في عذاب النار وإيقاد جهنم وإن غيرهم إنما يحترقون بنارهم ويتأيد بذلك ما سيأتي بيانه في قوله تعالى " ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض الآية " الأنفال - 37.
قوله تعالى كدأب آل فرعون والذين من قبلهم إلى آخر الآية الدأب على ما ذكروه هو السير المستمر قال تعالى " وسخر لكم الشمس والقمر دائبين " إبراهيم - 33