ومن هنا يظهر أن شأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا المقام هو التعليم فحسب والتعليم إنما هو هداية المعلم الخبير ذهن المتعلم وإرشاده إلى ما يصعب عليه العلم به والحصول عليه لا ما يمتنع فهمه من غير تعليم فإنما التعليم تسهيل للطريق وتقريب للمقصد لا ايجاد للطريق وخلق للمقصد والمعلم في تعليمه إنما يروم ترتيب المطالب العلمية ونضدها على نحو يستسهله ذهن المتعلم ويأنس به فلا يقع في جهد الترتيب وكد التنظيم فيتلف العمر وموهبة القوة أو يشرف على الغلط في المعرفة.
وهذا هو الذي يدل عليه أمثال قوله تعالى: " وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم الآية " النحل - 44 وقوله تعالى " ويعلمهم الكتاب والحكمة " الجمعة - 2 فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما يعلم الناس ويبين لهم ما يدل عليه القرآن بنفسه ويبينه الله سبحانه بكلامه ويمكن للناس الحصول عليه بالآخرة لأنه صلى الله عليه وآله وسلم يبين لهم معاني لا طريق إلى فهمها من كلام الله تعالى فإن ذلك لا ينطبق البتة على مثل قوله تعالى " كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون " حم السجدة - 3 وقوله تعالى وهذا لسان عربي مبين " النحل - 103.
على أن الأخبار المتواترة عنه صلى الله عليه وآله وسلم المتضمنة لوصيته بالتمسك بالقرآن والاخذ به وعرض الروايات المنقولة عنه صلى الله عليه وآله وسلم على كتاب الله لا يستقيم معناها إلا مع كون جميع ما نقل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مما يمكن استفادته من الكتاب ولو توقف ذلك على بيان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان من الدور الباطل وهو ظاهر.
على أن ما ورد به النقل من كلام الصحابة مع قطع النظر عن طرقه لا يخلو عن الاختلاف فيما بين الصحابة أنفسهم بل عن الاختلاف فيما نقل عن الواحد منهم على ما لا يخفى على المتتبع المتأمل في أخبارهم والقول بأن الواجب حينئذ أن يختاروا أحد الأقوال المختلفة المنقولة عنهم في الآية ويجتنب عن خرق إجماعهم والخروج عن جماعتهم مردود بأنهم أنفسهم لم يسلكوا هذا الطريق ولم يستلزموا هذا المنهج ولم يبالوا بالخلاف فيما بينهم فكيف يجب على غيرهم أن يقفوا على ما قالوا به ولم يختصوا بحجية قولهم على غيرهم ولا بتحريم الخلاف على غيرهم دونهم.
على أن هذا الطريق وهو الاقتصار على ما نقل من مفسري صدر الاسلام من