وإنما اقتصر فيه على هذا المعنى المشترك لان الذي يرد على أقوالهم في خصوص المسيح عليه السلام على كثرتها وتشتتها مما يحتج به القرآن أمر واحد يرد على وتيرة واحدة كما سيتضح.
(احتجاج القرآن على مذهب التثليث) يرد القرآن في الاحتجاج ويرد قول المثلثة من طريقين أحدهما الطريق العام وهو بيان استحالة الابن عليه تعالى في نفسه أي سواء كان عيسى هو الابن أو غيره الثاني الطريق الخاص وهو بيان أن عيسى بن مريم ليس ابنا إلها بل عبد مخلوق.
أما الطريق الأول فتوضيحه أن حقيقة البنوة والتولد هو أن يجزء واحد من هذه الموجودات الحية المادية كالانسان والحيوان بل النبات أيضا شيئا من مادة نفسه ثم يجعله بالتربية التدريجية فردا آخر من نوعه مماثلا لنفسه يترتب عليه من الخواص والآثار ما كان يترتب على المجزى منه كالحيوان يفصل من نفسه النطفة والنبات يفصل من نفسه اللقاح ثم يأخذ في تربيته تدريجا حتى يصيره حيوانا أو نباتا آخر مماثلا لنفسه ومن المعلوم أن الله سبحانه يمتنع عليه ذلك أما اولا فلاستلزامه الجسمية المادية والله سبحانه منزه من المادة ولوازمها الافتقارية كالحركة والزمان والمكان وغير ذلك وأما ثانيا فلان الله سبحانه لاطلاق ألوهيته وربوبيته له القيومية المطلقة على ما سواه فكل شئ سواه مفتقر الوجود إليه قائم الوجود به فكيف يمكن فرض شئ غيره يماثله في النوعية يستقل عنه بنفسه ويكون له من الذات والأوصاف والاحكام ما له من غير افتقار إليه وأما ثالثا فلأن جواز الايلاد والاستيلاد عليه تعالى يستلزم جواز الفعل التدريجي عليه تعالى وهو يستلزم دخوله تحت ناموس المادة والحركة وهو خلف بل ما يقع بإرادته ومشيته تعالى إنما يقع من غير مهلة وتدريج.
وهذا البيان هو الذي يفيده قوله تعالى وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون: البقرة - 117 وعلى ما قربناه فقوله سبحانه برهان وقوله له ما في السماوات والأرض كل له قانتون برهان آخر وقوله بديع