ما معنى كون المحكمات أم الكتاب؟
ذكر جماعة: أن كون الآيات المحكمة أم الكتاب كونها أصلا في الكتاب عليه تبتنى قواعد الدين وأركانها فيؤمن بها ويعمل بها وليس الدين إلا مجموعا من الاعتقاد والعمل وأما الآيات المتشابهة فهي لتزلزل مرادها وتشابه مدلولها لا يعمل بها بل إنما يؤمن بها إيمانا.
وأنت بالتأمل فيما تقدم من الأقوال تعلم أن هذا لازم بعض الأقوال المتقدمة وهي التي ترى أن المتشابه إنما صار متشابها لاشتماله على تأويل يتعذر الوصول إليه وفهمه أو أن المتشابه يمكن حصول العلم به ورفع تشابهه في الجملة أو بالجملة بالرجوع إلى عقل أو لغة أو طريقة عقلائية يستراح إليها في رفع الشبهات اللفظية.
وقال آخرون أن معنى امومة المحكمات رجوع المتشابهات إليها وكلامهم مختلف في تفسير هذا الرجوع فظاهر بعضهم أن المراد بالرجوع هو قصر المتشابهات على الايمان والاتباع العملي في مواردها للمحكم كالآية المنسوخة يؤمن بها ويرجع في موردها إلى العمل بالناسخة وهذا القول لا يغاير القول الأول كثير مغائرة وظاهر بعض آخر أن معناها كون المحكمات مبينة للمتشابهات رافعة لتشابهها.
والحق هو المعنى الثالث فإن معنى الأمومة الذي تدل عليه قوله هن أم الكتاب الآية يتضمن عناية زائدة وهو أخص من معنى الأصل الذي فسرت به الام في القول الأول فإن في هذه اللفظة أعني لفظة الام عناية بالرجوع الذي فيه انتشاء واشتقاق وتبعض فلا تخلو اللفظة عن الدلالة على كون المتشابهات ذات مداليل ترجع وتتفرع على المحكمات ولازمه كون المحكمات مبينة للمتشابهات.
على أن المتشابه إنما كان متشابها لتشابه مراده لا لكونه ذا تأويل فإن التأويل كما مر يوجد للمحكم كما يوجد للمتشابه والقرآن يفسر بعضه بعضا فللمتشابه مفسر وليس الا المحكم مثال ذلك قوله تعالى " إلى ربها ناظرة " القيامة - 23 فإنه آية متشابهة وبإرجاعها إلى قوله تعالى " ليس كمثله شئ " الشورى - 11 وقوله تعالى " لا تدركه الابصار " الانعام - 103 يتبين: أن المراد بها نظرة ورؤية من غير سنخ رؤية البصر الحسي وقد قال تعالى " ما كذب الفؤاد ما رأى