(بيان) هذه الآيات وهي قوله: يا أيها الذين آمنوا إلى قوله: ألا إن نصر الله قريب الآية سبع آيات كاملة تبين طريق التحفظ على الوحدة الدينية في الجامعة الانسانية وهو الدخول في السلم والقصر على ما ذكره الله من القول وما أراه من طريق العمل، وانه لم ينفصم وحدة الدين، ولا ارتحلت سعادة الدارين، ولا حلت الهلكة دار قوم إلا بالخروج عن السلم، والتصرف في آيات الله تعالى بتغييرها ووضعها في غير موضعها، شوهد ذلك في بني إسرائيل وغيرهم من الأمم الغابرة وسيجري نظيرها في هذه الأمة لكن الله يعدهم بالنصر: الا ان نصر الله قريب.
قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة، السلم والاسلام والتسليم واحدة وكافة كلمة تأكيد بمعنى جميعا، ولما كان الخطاب للمؤمنين وقد أمروا بالدخول في السلم كافة، فهو أمر متعلق بالمجموع وبكل واحد من اجزائه، فيجب ذلك على كل مؤمن، ويجب على الجميع أيضا ان لا يختلفوا في ذلك ويسلموا الامر لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وأيضا الخطاب للمؤمنين خاصة فالسلم المدعو إليه هو التسليم لله سبحانه بعد الايمان به فيجب على المؤمنين ان يسلموا الامر إليه، ولا يذعنوا لأنفسهم صلاحا باستبداد من الرأي ولا يضعوا لأنفسهم من عند أنفسهم طريقا يسلكونه من دون ان يبينه الله ورسوله، فما هلك قوم إلا باتباع الهوى والقول بغير العلم، ولم يسلب حق الحياة وسعادة الجد عن قوم إلا عن اختلاف.
ومن هنا ظهر: ان المراد من اتباع خطوات الشيطان ليس اتباعه في جميع ما يدعو إليه من الباطل بل اتباعه فيما يدعو إليه من أمر الدين بأن يزين شيئا من طرق الباطل بزينة الحق ويسمي ما ليس من الدين باسم الدين فيأخذ به الانسان من غير علم، وعلامة ذلك عدم ذكر الله ورسوله إياه في ضمن التعاليم الدينية.
وخصوصيات سياق الكلام وقيوده تدل على ذلك أيضا: فإن الخطوات إنما تكون في طريق مسلوك، وإذا كان سالكه هو المؤمن، وطريقه إنما هو طريق الايمان فهو طريق شيطاني في الايمان، وإذا كان الواجب على المؤمن هو الدخول في السلم