تعالى في الآية السابقة فاعلموا ان الله عزيز حكيم.
ثم إن من الضروري الثابت بالضرورة من الكتاب والسنة ان الله سبحانه وتعالى لا يوصف بصفة الأجسام ولا ينعت بنعوت الممكنات مما يقضي بالحدوث، ويلازم الفقر والحاجة والنقص، فقد قال تعالى: (ليس كمثله شئ) الشورى - 11، وقال تعالى: (والله هو الغني) الفاطر - 15، وقال تعالى: (الله خالق كل شئ) الزمر - 62، إلى غير ذلك من الآيات، وهي آيات محكمات ترجع إليها متشابهات القرآن، فما ورد من الآيات وظاهرها إسناد شئ من الصفات أو الافعال الحادثة إليه تعالى ينبغي ان يرجع إليها، ويفهم منها معنى من المعاني لا ينافي صفاته العليا وأسمائه الحسنى تبارك وتعالى، فالآيات المشتملة على نسبة المجئ أو الاتيان إليه تعالى كقوله تعالى: (وجاء ربك والملك صفا صفا) الفجر - 22، وقوله تعالى: (فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا) الحشر - 2، وقوله تعالى: (فأتى الله بنيانهم من القواعد) النحل - 26، كل ذلك يراد فيها معنى يلائم ساحة قدسه تقدست أسمائه كالإحاطة ونحوها ولو مجازا، وعلى هذا فالمراد بالاتيان في قوله تعالى: أن يأتيهم الله الإحاطة بهم للقضاء في حقهم.
على أنا نجده سبحانه وتعالى في موارد من كلامه إذا سلب نسبة من النسب وفعلا من الافعال عن استقلال الأسباب ووساطة الأوساط فربما نسبها إلى نفسه وربما نسبها إلى امره كقوله تعالى: (الله يتوفى الأنفس) الزمر - 42، وقوله تعالى: (يتوفيكم ملك الموت) السجدة - 11، وقوله تعالى: (توفته رسلنا) الانعام - 61، فنسب التوفي تارة إلى نفسه، وتارة إلى الملائكة ثم قال تعالى: في أمر الملائكة بأمره يعملون) الأنبياء - 27، وكذلك قوله تعالى: ان ربك يقضي بينهم) يونس - 93، وقوله تعالى: (فإذا جاء أمر الله قضي بالحق) المؤمن - 78، وكما في هذه الآية: ان يأتيهم الله في ظلل من الغمام الآية وقوله تعالى: هل ينظرون الا ان تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك) النحل - 33.
وهذا يوجب صحة تقدير الامر في موارد تشتمل على نسبة أمور إليه لا تلائم كبرياء ذاته تعالى نظير: جاء ربك، ويأتيهم الله، فالتقدير جاء أمر ربك ويأتيهم أمر الله.