والقصة بتمامها مذكورة في الروض الأنف مستوفاة.
(يهاب النوم أن يغشى عيونا * تهابك فهو نفار شرود) في سورة الأنفال عند قوله تعالى (إذ يغشاكم النعاس أمنة منه) على تقدير انتصابه على أن الأمنة للنعاس الذي هو فاعل يغشاكم: أي يغشاكم النعاس لأمنه على إسناد الأمن إلى النعاس إسنادا مجازيا وهو لأصحاب النعاس على الحقيقة، أو على أنه أنامكم في وقت كان من حق النعاس في مثل ذلك الوقت المخوف أن لا يقدم على غشيانكم، وإنما غشيكم أمنة حاصلة له من الله لولاها لم يغشكم على طريقة التمثيل والتخييل. قال الزمخشري: وقد ألم به من قال * يهاب النوم أن يغشى عيونا * الخ. يقول: يهاب النوم أن يغشى عيون أعاديك ومخالفيك فلا ينامون من خوفك، ونفار مبالغة من نفرت نفارا وشرود من شرد الشئ عن أصله، وفرس شرود: أي مستعص:
(يا صاحبي ألا لا حي بالوادي * إلا عبيد وآم بين أذواد أتنظران قليلا ريث غفلتهم * أم تغدوان فإن الريح للغادى) في سورة الأنفال عند قوله تعالى (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) والريح: الدولة، شبهت في نفوذ أمرها وتمشيه بالريح وهبوبها فقيل: هبت رياح فلان إذا دالت له الدولة ونفذ أمره، ومنه قوله: أتنظران قليلا الخ. وقوله: أم تغدوان: أي تسرعان، فإن الدولة لمن يسرع ويغتنم الفرصة، أو لمن يغدر ويظلم ولا يبالي، وقيل لم يكن قط نصر إلا بريح يبعثها الله تعالى. وآم جمع إماء. وأذواد جمع ذود وهو من الإبل ما بين ثلاثة إلى عشرة. أتنظران من أنظرته إذا أخرته. والبيت لسليك بن السلكة. وقصة ذلك أن سليكا مع صاحبين له أتوا الجوف جوف مراد واد باليمن، فإذا نعم قد ملأ كل شئ من كثرته، فهابوا أن يغيروا فيطردوا بعضها فيلحقهم الحي، فقال سليك: كونوا قريبا حتى آتي الرعاء فأعلم لكما علم الحي أقريب هم أم بعيد، فإن كانوا قريبا رجعت إليكما، وإن كانوا بعيدا قلت لكما قولا أغنى به لكما فأغيرا، فانطلق إلى الرعاء فلم يزل يستبسطهم حتى أخبروه بمكان الحي فإذا هم بعيد إن طلبوا لم يدركوا، فقال سليك للرعاء: ألا أغنيكم؟ قالوا: بلى، فتغنى بأعلى صوته:
* يا صاحبي ألا لا حي بالوادي * البيتين فلما سمعا ذلك أتياه فاطردوا الإبل فذهبوا بها ولم يبلغ الصريخ الحي حتى مضوا بما معهم (إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا * فحسبك والضحاك سيف مهند) في سورة الأنفال عند قوله تعالى (حسبك الله ومن اتبعك) الواو بمعنى مع وما بعده منصوب، تقول:
حسبك وزيدا درهم، ولا تجر، لأن عطف الظاهر المجرور على المكنى ممتنع كما في قوله: فحسبك والضحاك.
والمعنى: كفاك وكفى تباعك من المؤمنين الله ناصرا. والهيجاء: الحرب. وانشقاق العصا كناية عن وقوع الخلاف. والمهند: السيف المطبق من حديد الهند: يعنى إذا كان يوم الحرب وافترقت العصبة ووقع الخلاف بينهم فحسبك مع الضحاك ومحاربته سيف مهند، ونصب الضحاك بحسبك لأنه في معنى يكفيك ويكفى الضحاك.
(لا هم إن ناشد محمدا * حلف أبينا وأبيك الأتلدا إن قريشا أخلفوك الموعدا * ونقضوا ذمامك المؤكدا هم بيتونا في الحطيم هجدا * وقتلونا ركعا وسجدا فانصر هداك الله نصرا أعتدا * وادع عباد الله يأتوا مددا)