تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ، شرح شواهد الكشاف - محب الدين الأفندي - الصفحة ٣٧٥
في سورة التوبة عند قوله تعالى (إن الله يحب المتقين) وأنه وارد على سبيل التعليل لأن التقوى وصف مرتب على الحكمين: أعنى قوله فقولوا لهم سيحوا، وقوله فأتموا، ومضمونهما عدم التسوية بين الغادر والوافي: أي فاتقوا الله في عدم التسوية كما اتقى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يسو بين بكر وبنى خزاعة. وفد عمرو بن سالم الخزاعي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنشده ذلك. لأهم أصله اللهم، والميمان في لأهم عوضان عن النداء عند البصريين. إني ناشد محمدا: أي أسأل ربى النصرة بمحمد. يقال ناشدتك الله نشدة: أي طلبت منك بالله تعالى أن تفعل كذا. والحلف: الحليف، والأحلاف: الذين تحالفوا مع القوم على النصرة والوفاء. وأبيك الأتلدا:
الأقدم. والحطيم: الذي فيه الرداة وهو الحجر، وقيل إنما سمى حطيما لأنهم كانوا في الجاهلية يحلفون فيه فيحطم الكاذب. والعتيد الحاضر. وقصة ذلك أن قريشا أعانت بنى بكر على خزاعة في غيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة حتى نكثوا فيهم، فأتى الصريخ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهو عمرو بن سالم وأنشده ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نصرت إن لم أنصركم، وغضب لهم وخرج إلى مكة، ونصر الله رسوله صلى الله عليه وسلم وشفى صدور خزاعة من بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، كما قال تعالى (ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم).
(أخوك الذي إن قمت بالسيف عامدا * لتضربه لم يستغثك في الود ولو جئت تبغى كفيه لتبينها * لبادر إشفاقا عليك من الرد يرى أنه في الود وإن مقصر * على أنه قد زاد فيه عن الجهد) في سورة التوبة عند قوله تعالى (قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين) يقول:
أخوك الذي إن أسأت إليه أحسن إليك حتى لو قمت تضربه بالسيف لا يجدك غثا في المودة، وبرواية: لا يستغشك من الغش والخيانة، ولو جئته تطلب أن تقطع يده لبادر إليك فرقا من الرد عليك، ومع هذا الوفاء والجهد في حفظ أسباب المودة يرى أنه مقصر في الود وان فيه. ومن هذا القبيل قوله:
وليس صديقا من إذا قلت لفظة * توهم في أثناء موقعها أمرا ولكنه من لو قطعت بنانه * توهمه نفعا لمصلحة أخرى وفى معنى هذا البيت قول كثير عزة:
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة * لدينا ولا مقلية إن تقلت وقد تقدم شرح هذا البيت في معنى الآية فليراجع ثمة.
(أعاذل شكتي بدني وسيفي * وكل مقلص سهل القياد) في سورة يونس عند قوله تعالى (فاليوم ننجيك ببدنك) أي في الحال الذي لا روح فيه. وإنما أنت بدن، أو ببدنك كاملا سويا لم ينقص منه شئ ولم يتغير، أو عريانا لست إلا بدنا من غير لباس، أو بدرعك كما قال عمرو بن معد يكرب: أعاذل شكتي بدني وسيفي الخ. كانت له درع من ذهب يعرف بها. وكل مقلص بكسر اللام: أي فرس ينقبض، وقلص إذا انضم. وسهل القياد: أي القود. وكان أصل الكلام: فاليوم نطرحك بعد الغرق بجانب البحر، ثم سلك طريق التهكم وقال: ننجي بدنك لمزيد التصوير والتهويل، أوقع ببدنك حالا من الضمير المنصوب لتصوير الهيئة المنكرة في نظر المعتبرين.
(٣٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 370 371 372 373 374 375 376 377 378 379 380 ... » »»
الفهرست