شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢٠ - الصفحة ٣٤٩
998 - يا الله يا رحمن يا رحيم يا حي يا قيوم يا بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والاكرام اعف عنى (1).
وهذا حين انتهاء قولنا في شرح نهج البلاغة، ولم ندرك ما أدركناه منه بقوتنا وحولنا، فإنا عاجزون عما هو دونه، ولقد شرعنا فيه وإنه لفي أنفسنا كالطود الأملس تزل الوعول العصم (2) عن قذفاته (3)، بل كالفلك الأطلس لا تبلغ الأوهام والعقول إلى حدود غاياته، فما زالت معونة الله سبحانه وتعالى تسهل لنا حزنه، وتذلل لنا صعبة، حتى أصحب أبية، وأطاع عصية، وفتحت علينا - بحسن النية وإخلاص الطوية - في تصنيفه أبواب البركات، وتيسرت علينا مطالب الخيرات، حتى لقد كان الكلام ينثال علينا انثيالا، ويواتينا بديهة وارتجالا، فتم تصنيفه في مدة قدرها أربع سنين وثمانية أشهر، وأولها غرة شهر رجب من سنة أربع وأربعين وستمائة.
وآخرها سلخ صفر من سنة تسع وأربعين وستمائة. وهو مقدار مدة خلافة أمير المؤمنين عليه السلام، وما كان في الظن و التقدير أن الفراغ منه يقع في أقل من عشر سنين، إلا أن الألطاف الإلهية والعناية السماوية، شملتنا بارتفاع العوائق، وانتفاء الصوارف، وشحذت بصيرتنا فيه، وأرهفت همتنا في تشييد مبانيه، وتنضيد ألفاظه ومعانيه.
وكان لسعادة المجلس المولوي المؤيدي الوزيري (4) أجرى الله بالخير أقلامه، وأمضى

(1) كذا كان عدد هذا الحكم على حسب المخطوطات التي وقعت لدينا. وقد أشار إلى أن عددها ألف، ولعل هنا سقطا، أو أن حكمتين قد امتزجتا بفعل النساخ، ونرجو حين تقع إلينا نسخ أخرى في الطبعة أن نصل إلى العدد الصحيح.
(2) الوعل: تيس الجبل، والأعصم منه ما في ذراعيه أو أحدهما بياض وسائره أسود أو أحمر.
(3) القذفات: جمع قذفة، وهو ما أشرف رؤس الجبال.
(4) هو مؤيد الدين أبو طالب محمد بن أحمد بن العلقمي وزير المعتصم بالله. وانظر ترجمته في حواشي الجزء الأول 1: 4.
(٣٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 340 341 342 343 344 345 346 347 348 349 350 » »»
الفهرست