ثم قال: " تغلبه نفسه على ما يظن، ولا يغلبها على ما يستيقن "، هذه كلمة جليلة عظيمة يقول: هو يستيقن الحساب والثواب والعقاب، ولا يغلب نفسه على مجانبة ومتاركة ما يفضي به إلى ذلك الخطر العظيم، وتغلبه نفسه على السعي إلى ما يظن أن فيه لذة عاجلة، فوا عجبا ممن يترجح عنده جانب الظن على جانب العلم! وما ذاك إلا لضعف يقين الناس وحب العاجل.
ثم قال: " يخاف على غيره بأدنى من ذنبه، ويرجو لنفسه أكثر من عمله "، ما يزال يرى الواحد منا كذلك يقول: إني لخائف على فلان من الذنب الفلاني وهو مقيم على أفحش من ذلك الذنب، ويرجو لنفسه النجاة بما لا تقوم أعماله الصالحة بالمصير إلى النجاة به، نحو أن يكون يصلى ركعات في الليل أو يصوم أياما يسيرة في الشهر، ونحو ذلك.
قال: " إن استغنى بطر وفتن، وإن افتقر قنط ووهن " قنط بالفتح يقنط بالكسر، قنوطا مثل جلس يجلس جلوسا، ويجوز قنط يقنط بالضم مثل قعد يقعد، وفيه لغة: ثالثه قنط يقنط قنطا، مثل تعب يتعب تعبا وقناطة فهو قنط، وبه قرئ:
﴿فلا تكن من القانطين﴾ (1)، والقنوط الياس. ووهن الرجل يهن، أي ضعف وهذا المعنى قد تكرر.
قال: " يقصر إذا عمل، ويبالغ إذا سئل "، هذا مثل ما مدح به النبي (صلى الله عليه وآله) الأنصار: " إنكم لتكثرون عند الفزع، وتقلون عند الطمع ".
قال: " إن عرضت له شهوة أسلف المعصية، وسوف التوبة، وإن عرته محنة انفرج عن شرائط الملة "، هذا كما قيل: أمدحه نقدا ويثيبني نسيئة، وانفرج عن شرائط الملة، قال: أو فعل ما يقتضى الخروج عن الدين، وهذا موجود في كثير من الناس إذا عرته المحن كفروا أو قال: ما يقارب الكفر من التسخط والتبرم والتأفف.