شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٨ - الصفحة ٣٥٩
ثم قال: " تغلبه نفسه على ما يظن، ولا يغلبها على ما يستيقن "، هذه كلمة جليلة عظيمة يقول: هو يستيقن الحساب والثواب والعقاب، ولا يغلب نفسه على مجانبة ومتاركة ما يفضي به إلى ذلك الخطر العظيم، وتغلبه نفسه على السعي إلى ما يظن أن فيه لذة عاجلة، فوا عجبا ممن يترجح عنده جانب الظن على جانب العلم! وما ذاك إلا لضعف يقين الناس وحب العاجل.
ثم قال: " يخاف على غيره بأدنى من ذنبه، ويرجو لنفسه أكثر من عمله "، ما يزال يرى الواحد منا كذلك يقول: إني لخائف على فلان من الذنب الفلاني وهو مقيم على أفحش من ذلك الذنب، ويرجو لنفسه النجاة بما لا تقوم أعماله الصالحة بالمصير إلى النجاة به، نحو أن يكون يصلى ركعات في الليل أو يصوم أياما يسيرة في الشهر، ونحو ذلك.
قال: " إن استغنى بطر وفتن، وإن افتقر قنط ووهن " قنط بالفتح يقنط بالكسر، قنوطا مثل جلس يجلس جلوسا، ويجوز قنط يقنط بالضم مثل قعد يقعد، وفيه لغة: ثالثه قنط يقنط قنطا، مثل تعب يتعب تعبا وقناطة فهو قنط، وبه قرئ:
﴿فلا تكن من القانطين﴾ (1)، والقنوط الياس. ووهن الرجل يهن، أي ضعف وهذا المعنى قد تكرر.
قال: " يقصر إذا عمل، ويبالغ إذا سئل "، هذا مثل ما مدح به النبي (صلى الله عليه وآله) الأنصار: " إنكم لتكثرون عند الفزع، وتقلون عند الطمع ".
قال: " إن عرضت له شهوة أسلف المعصية، وسوف التوبة، وإن عرته محنة انفرج عن شرائط الملة "، هذا كما قيل: أمدحه نقدا ويثيبني نسيئة، وانفرج عن شرائط الملة، قال: أو فعل ما يقتضى الخروج عن الدين، وهذا موجود في كثير من الناس إذا عرته المحن كفروا أو قال: ما يقارب الكفر من التسخط والتبرم والتأفف.

(١) سورة الحجر ٥٥، وهي قراءة الأعمش ويحي بن وثاب، وانظر تفسير القرطبي ١٠: ٣٦.
(٣٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 354 355 356 357 358 359 360 361 362 363 364 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر بقية الخبر عن فتح مكة 7
2 65 - من كتاب له عليه السلام إلى معاوية 22
3 66 - من كتاب له عليه السلام كتبه إلى عبد الله بن العباس 28
4 67 - من كتاب له عليه السلام كتبه إلى قثم بن العباس وهو عامله على مكة 30
5 68 - من كتاب له عليه السلام كتبه إلى سلمان الفارسي قبل أيام خلافته 34
6 سلمان الفارسي وخبر إسلامه 34
7 69 - من كتاب له عليه السلام كتبه إلى الحارث الهمداني 41
8 الحارث الأعور ونسبه 42
9 نبذ من الأقوال الحكيمة 43
10 70 - من كتاب له عليه السلام إلى سهل بن حنيف وهو عامله على المدينة 52
11 71 - من كتاب له عليه السلام إلى المنذر بن الجارود 54
12 ذكر المنذر وأبيه الجارود 55
13 72 - من كتاب له عليه السلام إلى عبد الله بن العباس 60
14 73 - من كتاب له عليه السلام إلى معاوية 62
15 74 - من حلف له عليه السلام كتبه بين ربيعة واليمن 66
16 75 - من كتاب له عليه السلام إلى معاوية من المدينة في أول ما بويع له بالخلاف 68
17 76 - من وصية له عليه السلام لعبد الله بن العباس عند استخلافه إياه على البصرة 70
18 77 - من وصية له عليه السلام لعبد الله بن العباس أيضا لما بعثه للاحتجاج على الخوارج 71
19 78 - من كتاب له عليه السلام أجاب به أبا موسى الأشعري عن كتاب كتبه إليه 74
20 79 - من كتاب له عليه السلام لما استخلف إلى أمراء الأجناد حكمه عليه السلام ومواعظه، ويدخل في ذلك المختار من أجوبة مسائله وكلامه 77
21 القصير في سائر أغراضه 82
22 نبذ مما قيل في الشيب والخضاب 123
23 نبذ مما قيل في المروءة 128
24 نبذ وحكايات مما وقع بين يدي الملوك 143
25 في مجلس قتيبة بن مسلم الباهلي 152
26 أقوال وحكايات حول الحمقى والمغفلين 159
27 خباب بن الأرت 171
28 محمد بن جعفر والمنصور 206
29 محنة ابن المقنع 269
30 فصل في نسب بني مخزوم وطرف من أخبارهم 285
31 نوادر المكثرين من الأكل 397
32 سعة الصدر وما ورد في ذلك من حكايات 407