شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٨ - الصفحة ٣٤٨
لا يعبأ. الله وصدق (عليه السلام) في أنهم همج رعاع أتباع كل ناعق، ألا تراهم ينتقلون من التقليد لشخص إلى تقليد الاخر، لأدنى خيال وأضعف وهم!
ثم شرع (عليه السلام) في ذكر العلم وتفضيله على المال، فقال: " العلم يحرسك، وأنت تحرس المال "، وهذا أحد وجوه التفضيل.
ثم ابتدأ فذكر وجها ثانيا، فقال: المال ينقص بالانفاق منه، والعلم لا ينقص بالانفاق بل يزكو، وذلك لان إفاضة العلم على التلامذة تفيد المعلم زيادة استعداد، وتقرر في نفسه تلك العلوم التي أفاضها على تلامذته وتثبتها وتزيدها رسوخا.
فأما قوله: " وصنيع المال يزول بزواله "، فتحته سر دقيق حكمي، وذلك لان المال إنما يظهر أثره ونفعه في الأمور الجسمانية، والملاذ الشهوانية، كالنساء والخيل والأبنية والمأكل والمشرب والملابس ونحو ذلك، وهذه الآثار كلها تزول بزوال المال أو بزوال رب المال ألا ترى أنه إذا زال المال اضطر صاحبه إلى بيع الأبنية والخيل والإماء، ورفض تلك العادة من المآكل الشهية والملابس البهية! وكذلك إذا زال رب المال بالموت، فإنه تزول آثار المال عنده: فإنه لا يبقى بعد الموت آكلا شاربا لابسا، وأما آثار العلم فلا يمكن أن تزول أبدا والانسان في الدنيا، ولا بعد خروجه عن الدنيا، أما في الدنيا فلان العالم بالله تعالى لا يعود جاهلا به، لان انتفاء العلوم البديهية عن الذهن وما يلزمها من اللوازم بعد حصولها محال، فإذا قد صدق قوله (عليه السلام) في الفرق بين المال والعلم: " إن صنيع المال يزول بزواله "، أي وصنيع المال لا يزول ولا يحتاج إلى أن يقول " بزواله " لان تقدير الكلام: وصنيع المال يزول، لان المال يزول، وأما بعد خروج الانسان من الدنيا فإن صنيع العلم لا يزول وذلك لان صنيع العلم في النفس الناطقة اللذة العقلية الدائمة لدوام سببها، وهو حصول العلم في جوهر النفس الذي هو ممشوق
(٣٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 343 344 345 346 347 348 349 350 351 352 353 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر بقية الخبر عن فتح مكة 7
2 65 - من كتاب له عليه السلام إلى معاوية 22
3 66 - من كتاب له عليه السلام كتبه إلى عبد الله بن العباس 28
4 67 - من كتاب له عليه السلام كتبه إلى قثم بن العباس وهو عامله على مكة 30
5 68 - من كتاب له عليه السلام كتبه إلى سلمان الفارسي قبل أيام خلافته 34
6 سلمان الفارسي وخبر إسلامه 34
7 69 - من كتاب له عليه السلام كتبه إلى الحارث الهمداني 41
8 الحارث الأعور ونسبه 42
9 نبذ من الأقوال الحكيمة 43
10 70 - من كتاب له عليه السلام إلى سهل بن حنيف وهو عامله على المدينة 52
11 71 - من كتاب له عليه السلام إلى المنذر بن الجارود 54
12 ذكر المنذر وأبيه الجارود 55
13 72 - من كتاب له عليه السلام إلى عبد الله بن العباس 60
14 73 - من كتاب له عليه السلام إلى معاوية 62
15 74 - من حلف له عليه السلام كتبه بين ربيعة واليمن 66
16 75 - من كتاب له عليه السلام إلى معاوية من المدينة في أول ما بويع له بالخلاف 68
17 76 - من وصية له عليه السلام لعبد الله بن العباس عند استخلافه إياه على البصرة 70
18 77 - من وصية له عليه السلام لعبد الله بن العباس أيضا لما بعثه للاحتجاج على الخوارج 71
19 78 - من كتاب له عليه السلام أجاب به أبا موسى الأشعري عن كتاب كتبه إليه 74
20 79 - من كتاب له عليه السلام لما استخلف إلى أمراء الأجناد حكمه عليه السلام ومواعظه، ويدخل في ذلك المختار من أجوبة مسائله وكلامه 77
21 القصير في سائر أغراضه 82
22 نبذ مما قيل في الشيب والخضاب 123
23 نبذ مما قيل في المروءة 128
24 نبذ وحكايات مما وقع بين يدي الملوك 143
25 في مجلس قتيبة بن مسلم الباهلي 152
26 أقوال وحكايات حول الحمقى والمغفلين 159
27 خباب بن الأرت 171
28 محمد بن جعفر والمنصور 206
29 محنة ابن المقنع 269
30 فصل في نسب بني مخزوم وطرف من أخبارهم 285
31 نوادر المكثرين من الأكل 397
32 سعة الصدر وما ورد في ذلك من حكايات 407