لا يعبأ. الله وصدق (عليه السلام) في أنهم همج رعاع أتباع كل ناعق، ألا تراهم ينتقلون من التقليد لشخص إلى تقليد الاخر، لأدنى خيال وأضعف وهم!
ثم شرع (عليه السلام) في ذكر العلم وتفضيله على المال، فقال: " العلم يحرسك، وأنت تحرس المال "، وهذا أحد وجوه التفضيل.
ثم ابتدأ فذكر وجها ثانيا، فقال: المال ينقص بالانفاق منه، والعلم لا ينقص بالانفاق بل يزكو، وذلك لان إفاضة العلم على التلامذة تفيد المعلم زيادة استعداد، وتقرر في نفسه تلك العلوم التي أفاضها على تلامذته وتثبتها وتزيدها رسوخا.
فأما قوله: " وصنيع المال يزول بزواله "، فتحته سر دقيق حكمي، وذلك لان المال إنما يظهر أثره ونفعه في الأمور الجسمانية، والملاذ الشهوانية، كالنساء والخيل والأبنية والمأكل والمشرب والملابس ونحو ذلك، وهذه الآثار كلها تزول بزوال المال أو بزوال رب المال ألا ترى أنه إذا زال المال اضطر صاحبه إلى بيع الأبنية والخيل والإماء، ورفض تلك العادة من المآكل الشهية والملابس البهية! وكذلك إذا زال رب المال بالموت، فإنه تزول آثار المال عنده: فإنه لا يبقى بعد الموت آكلا شاربا لابسا، وأما آثار العلم فلا يمكن أن تزول أبدا والانسان في الدنيا، ولا بعد خروجه عن الدنيا، أما في الدنيا فلان العالم بالله تعالى لا يعود جاهلا به، لان انتفاء العلوم البديهية عن الذهن وما يلزمها من اللوازم بعد حصولها محال، فإذا قد صدق قوله (عليه السلام) في الفرق بين المال والعلم: " إن صنيع المال يزول بزواله "، أي وصنيع المال لا يزول ولا يحتاج إلى أن يقول " بزواله " لان تقدير الكلام: وصنيع المال يزول، لان المال يزول، وأما بعد خروج الانسان من الدنيا فإن صنيع العلم لا يزول وذلك لان صنيع العلم في النفس الناطقة اللذة العقلية الدائمة لدوام سببها، وهو حصول العلم في جوهر النفس الذي هو ممشوق