وخامسها قوله: " المرء أحفظ لسره " أي الأولى ألا تبوح بسرك إلى أحد، فأنت أحفظ له من غيرك، فإن أذعته فانتشر فلا تلم إلا نفسك، لأنك كنت عاجزا عن حفظ سر نفسك، فغيرك عن حفظ سرك وهو أجنبي أعجز، قال الشاعر:
إذا ضاق صدر المرء عن حفظ سره * فصدر الذي يستودع السر أضيق وسادسها: " قوله رب ساع فيما يضره "، قال عبد الحميد الكاتب في كتابه إلى أبى مسلم: لو أراد الله بالنملة صلاحا لما أنبت لها جناحا.
وسابعها قوله: " من أكثر أهجر "، يقال: أهجر الرجل، إذا أفحش في المنطق السوء والخنا، قال الشماخ:
كماجدة الأعراق قال ابن ضرة * عليها كلاما جار فيه وأهجرا (1) وهذا مثل قولهم: من كثر كلامه كثر سقطه. وقالوا أيضا قلما سلم مكثار، أو أمن من عثار.
وثامنها قوله: " من تفكر أبصر "، قالت الحكماء: الفكر تحديق العقل نحو المعقول، كما أن النظر البصري تحديق البصر نحو المحسوس، وكما أن من حدق نحو المبصر وحدقته صحيحة والموانع مرتفعة لا بد أن يبصره، كذلك من نظر بعين عقلة، وأفكر فكرا صحيحا، لا بد أن يدرك الامر الذي فكر فيه ويناله.
وتاسعها قوله: " قارن أهل الخير تكن معهم، وباين أهل الشر تبن عنهم "، كان يقال: حاجبك وجهك، وكاتبك لسانك، وجليسك كلك. وقال الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه * فكل قرين بالمقارن مقتد