وثانيها قوله: " حفظ ما في يديك أحب إلي من طلب ما في أيدي غيرك "، هذا مثل قولهم في المثل: البخل خير من سؤال البخيل، وليس مراد أمير المؤمنين عليه السلام وصايته بالإمساك والبخل، بل نهيه عن التفريط والتبذير، قال الله تعالى: ﴿ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا﴾ (1)، وأحمق الناس من أضاع ماله اتكالا على مال الناس، وظنا أنه يقدر على الاستخلاف، قال الشاعر:
إذا حدثتك النفس أنك قادر * على ما حوت أيدي الرجال فكذب وثالثها قوله: " مرارة اليأس خير من الطلب إلى الناس "، من هذا أخذ الشاعر قوله:
إن كان طعم اليأس مرا فإنه * ألذ وأحلى من سؤال الأراذل وقال البحتري:
اليأس إحدى الراحتين ولن ترى * تعبا كظن الخائب المغرور (2) ورابعها قوله: " الحرفة مع العفة خير من الغنى مع الفجور "، والحرفة بالكسر مثل الحرف بالضم، وهو نقصان الحظ وعدم المال. ومنه قوله " رجل محارف "، بفتح الراء، يقول: لان يكون المرء هكذا وهو عفيف الفرج واليد، خير من الغنى مع الفجور، وذلك لان ألم الحرفة مع العفة ومشقتها إنما هي في أيام قليلة وهي أيام العمر، ولذة الغنى إذا كان مع الفجور، ففي مثل تلك الأيام يكون، ولكن يستعقب عذابا طويلا، فالحال الأولى خير لا محالة. وأيضا ففي الدنيا خير أيضا للذكر الجميل فيها، والذكر القبيح في الثانية، وللمحافظة على المروءة في الأولى وسقوط المروءة في الثانية.