أ تروني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج، وقد علمت أنكم تصلون وتزكون وتحجون، ولكنني قاتلتكم لأتأمر عليكم وعلى رقابكم، وقد آتاني الله ذلك وأنتم كارهون، ألا إن كل مال أو دم أصيب في هذه الفتنة فمطلول، وكل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين، ولا يصلح الناس إلا ثلاث: إخراج العطاء عند محله، وإقفال الجنود لوقتها، وغزو العدو في داره، فإنهم إن لم تغزوهم غزوكم. ثم نزل.
قال المدائني: فقال المسيب بن نجبة للحسن عليه السلام: ما ينقضي عجبي منك!
بايعت معاوية ومعك أربعون ألفا، ولم تأخذ لنفسك وثيقة وعقدا ظاهرا، أعطاك أمرا فيما بينك وبينه، ثم قال ما قد سمعت، والله ما أراد بها (1) غيرك، قال:
فما ترى؟ قال: أرى أن ترجع إلى ما كنت عليه، فقد نقض ما كان بينه وبينك. فقال: يا مسيب، إني لو أردت بما فعلت الدنيا لم يكن معاوية بأصبر عند اللقاء، ولا أثبت عند الحرب منى، ولكني أردت صلاحكم، وكف بعضكم عن بعض، فارضوا بقدر الله وقضائه، حتى يستريح بر، أو يستراح من فاجر.
قال المدائني ودخل عبيدة بن عمرو الكندي على الحسن عليه السلام - وكان ضرب على وجهه ضربة وهو مع قيس بن سعد بن عبادة - فقال: ما الذي أرى بوجهك؟
قال: أصابني مع قيس. فالتفت حجر بن عدي إلى الحسن، فقال: لوددت أنك كنت مت قبل هذا اليوم، ولم يكن ما كان، إنا رجعنا راغمين بما كرهنا، ورجعوا مسرورين بما أحبوا. فتغير وجه الحسن، وغمز الحسين عليه السلام حجرا، فسكت، فقال الحسن عليه السلام: يا حجر ليس كل الناس يحب ما تحب ولا رأيه كرأيك، وما فعلت إلا إبقاء عليك، والله كل يوم في شأن.