وأما الخبر الثاني وهو الذي رواه هشام بن محمد الكلبي، عن أبيه، ففيه إشكال أيضا لأنه قال: إنها طلبت فدك، وقالت أن أبى أعطانيها، وإن أم أيمن تشهد لي بذلك، فقال لها أبو بكر في الجواب: أن هذا المال لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما كان مالا من أموال المسلمين، يحمل (1) به الرجال، وينفقه في سبيل الله، فلقائل أن يقول له:
أيجوز للنبي صلى الله عليه وآله أن يملك أبنته أو غير أبنته من أفناء الناس ضيعة مخصوصة أو عقارا مخصوصا من مال المسلمين، لوحي أوحى الله تعالى إليه، أو لاجتهاد رأيه على قول من أجاز له ان يحكم بالاجتهاد، أو لا يجوز للنبي صلى الله عليه وآله ذلك؟ فإن قال:
لا يجوز، قال ما لا يوافقه العقل ولا المسلمون عليه، وإن قال: يجوز ذلك، قيل: فإن المرأة ما اقتصرت على الدعوى، بل قالت: أم أيمن تشهد لي، فكان ينبغي أن يقول لها في الجواب: شهادة أم أيمن وحدها غير مقبولة، ولم يتضمن هذا الخبر ذلك، بل قال لها لما ادعت وذكرت من يشهد لها: هذا مال من مال الله. لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا ليس بجواب صحيح.
وأما الخبر الذي رواه محمد بن زكريا عن عائشة، ففيه من الاشكال مثل ما في هذا الخبر، لأنه إذا شهد لها على ع وأم أيمن أن رسول الله صلى الله عليه وآله وهب لها فدك، لم يصح اجتماع صدقها وصدق عبد الرحمن وعمر، ولا ما تكلفه أبو بكر من تأويل ذلك بمستقيم، لان كونها هبة من رسول الله صلى الله عليه وآله لها يمنع من قوله:
(كان يأخذ منها قوتكم ويقسم الباقي، ويحمل منه في سبيل الله) لان هذا ينافي كونها هبة لها، لان معنى كونها لها انتقالها إلى ملكيتها، وأن تتصرف فيها خاصة دون كل أحد من الناس، وما هذه صفته كيف يقسم ويحمل منه في سبيل الله!