العرب غيرنا، فأراد قومنا قتل نبينا، واجتياح أصلنا، وهموا بنا الهموم، وفعلوا بنا الأفاعيل، ومنعونا الميرة (1) وأمسكوا عنا العذب، وأحلسونا الخوف (2). وجعلوا علينا الأرصاد والعيون، واضطرونا إلى جبل وعر، وأوقدوا لنا نار الحرب، وكتبوا بينهم كتابا، لا يؤاكلوننا، ولا يشاربوننا، ولا يناكحوننا، ولا يبايعوننا، ولا نأمن منهم حتى ندفع إليهم محمدا فيقتلوه ويمثلوا به، فلم نكن نأمن فيهم إلا من موسم إلى موسم، فعزم الله لنا على منعه، والذب عن حوزته، والرمي من وراء حرمته، والقيام بأسيافنا دونه في ساعات الخوف بالليل والنهار، فمؤمننا يرجو بذلك الثواب وكافرنا يحامى عن الأصل، وأما من أسلم من قريش فإنهم مما نحن فيه خلاء، منهم الحليف الممنوع، ومنهم ذو العشيرة التي تدافع عنه، فلا يبغيه أحد مثل ما بغانا به قومنا من التلف، فهم من القتل بمكان (3) نجوة وأمن، فكان ذلك ما شاء الله أن يكون. ثم أمر الله تعالى رسوله بالهجرة، وأذن له بعد ذلك في قتال المشركين، فكان إذا احمر البأس، ودعيت نزال (4) أقام أهل بيته، فاستقدموا، فوقى أصحابه بهم حد الأسنة والسيوف، فقتل عبيدة يوم بدر، وحمزة يوم أحد، وجعفر وزيد يوم مؤتة، وأراد من لو شئت ذكرت اسمه مثل الذي أرادوا من الشهادة مع النبي صلى الله عليه وسلم غير مرة، إلا أن آجالهم عجلت، ومنيته أخرت، والله ولي الاحسان إليهم، والمنة عليهم، بما أسلفوا من أمر الصالحات، فما سمعت بأحد ولا رأيته هو أنصح في طاعة رسوله ولا لنبيه، ولا أصبر على اللاواء (5) والسراء والضراء وحين البأس، ومواطن المكروه مع النبي صلى الله عليه وسلم من هؤلاء النفر الذين سميت لك، وفي المهاجرين خير كثير يعرف، جزاهم الله خيرا بأحسن
(٧٧)