العباس، كمحمد المهدي، وهارون، ومحمد بن زبيدة، وعبد الله المأمون، وجعفر المقتدر!
بل لعل جود بعض صنائع هؤلاء كبني برمك وبنى الفرات، أعظم من جود الرجلين اللذين ذكرتموهما، بل من جميع ما جاء به خلفاء بني أمية.
وأما ما ذكرتم من حلم معاوية فلو شئنا أن نجعل جميع ساداتنا حلماء لكانوا محتملين لذلك، ولكن الوجه في هذا ألا يشتق للرجل اسم إلا من أشرف أعماله وأكرم أخلاقه، وإلا أن يتبين بذلك عند أصحابه حتى يصير بذلك اسما يسمى به، ويصير معروفا به، كما عرف الأحنف بالحلم، وكما عرف حاتم بالجود، وكذلك هرم، قالوا:
هرم الجواد، ولو قلتم: كان أبو العاص بن أمية أحلم الناس، لقلنا: ولعله يكون قد كان حليما، ولكن ليس كل حلم يكون صاحبه به مذكورا، ومن أشكاله بائنا.
وإنكم لتظلمون خصومكم في تسميتكم معاوية بالحلم، فكيف من دونه، لان العرب تقول: أحلم الحلمين ألا يتعرض ثم يحلم، ولم يكن في الأرض رجل أكثر تعرضا من معاوية، والتعرض هو السفه، فإن ادعيتم أن الاخبار التي جاءت في تعرضه كلها باطلة، فإن لقائل أن يقول: وكل خبر رويتموه في حلمه باطل، ولقد شهر الأحنف بالحلم، ولكنه تكلم بكلام كثير يجرح في الحلم ويثلم في العرض (1)، ولا يستطيع أحد أن يحكي عن العباس بن عبد المطلب ولا عن الحسن بن علي بن أبي طالب لفظا فاحشا، ولا كلمة ساقطة، ولا حرفا واحدا مما يحكى عن الأحنف ومعاوية.
وكان المأمون أحلم الناس، وكان عبد الله السفاح أحلم الناس. وبعد فمن يستطيع أن يصف هاشما أو عبد المطلب بالحلم دون غيره من الأخلاق والأفعال حتى يسميه بذلك، ويخص به دون كل شئ فيه من الفضل! وكيف وأخلاقهم متساوية، وكلها في الغاية!
ولو أن رجلا كان أظهر الناس زهدا، وأصدقهم للعدو لقاء، وأصدق الناس لسانا،