وكان الناس يجتمعون ليستمعوا محاورتهما، وكان سليمان بن جعفر بن سليمان بن علي والي مكة، فكان أهل مكة يقولون لم يرد علينا أمير إلا وسليمان أبين منه قاعدا، وأخطب منه قائما. وكان داود إذا خطب اسحنفر (1) فلم يرده شئ.
قالوا: ولنا عبد الملك بن صالح بن علي، كان خطيبا بليغا وسأله الرشيد - وسليمان بن أبي جعفر وعيسى بن جعفر حاضران - فقال له: كيف رأيت أرض كذا؟ قال:
مسافي ريح، ومنابت شيح. قال: فأرض كذا، قال: هضبات (2) حمر، وربوات (3) عفر، حتى أتى على جميع ما سأله عنه، فقال عيسى لسليمان: والله ما ينبغي لنا أن نرضى لأنفسنا بالدون من الكلام.
قالوا: وأما ما ذكرتم من نساك الملوك، فلنا علي بن أبي طالب عليه السلام، وبزهده وبدينه يضرب المثل، ولنا محمد بن الواثق من خلفاء بنى العباس، وهو الملقب بالمهتدي، كان يقول: إني لآنف لبني العباس ألا يكون منهم مثل عمر بن عبد العزيز، فكان مثله وفوقه، ولنا القادر أبو العباس بن إسحاق بن المقتدر، ولنا القائم عبد الله بن القادر، كانا على قدم عظيمة من الزهد والدين والنسك، وإن عددتم النساك من غير الملوك فأين أنتم عن علي بن الحسين زين العابدين! وأين أنتم عن علي بن عبد الله بن العباس!
وأين أنتم عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، الذي كان يقال له: علي الخير، وعلى الأغر، وعلي العابد، وما أقسم على الله بشئ إلا وأبر قسمه! وأين أنتم عن موسى بن جعفر بن محمد! وأين أنتم عن علي بن محمد الرضا، لابس الصوف طول عمره، مع سعة أمواله، وكثرة ضياعه وغلاته!