وكانوا كما قال الله سبحانه لهم: ﴿أشداء على الكفار رحماء بينهم﴾ (1)، فكان أفضلهم مرتبة، وأعلاهم عند الله والمسلمين منزلة، الخليفة الأول، الذي جمع الكلمة، ولم الدعوة وقاتل أهل الردة، ثم الخليفة الثاني الذي فتح الفتوح، ومصر الأمصار وأذل رقاب المشركين. ثم الخليفة الثالث المظلوم الذي نشر الملة، وطبق الآفاق بالكلمة الحنيفية.
فلما استوثق الاسلام وضرب بجرانه عدوت عليه فبغيته الغوائل، ونصبت له المكايد، وضربت له بطن الامر وظهره، ودسست عليه، وأغريت به، وقعدت حيث استنصرك عن نصره، وسألك أن تدركه قبل أن يمزق فما أدركته، وما يوم المسلمين منك بواحد.
لقد حسدت أبا بكر، والتويت عليه، ورمت إفساد أمره، وقعدت في بيتك، واستغويت عصابة من الناس حتى تأخروا عن بيعته، ثم كرهت خلافة عمر وحسدته واستطلت مدته، وسررت بقتله، وأظهرت الشماتة بمصابه، حتى إنك حاولت قتل ولده لأنه قتل قاتل أبيه، ثم لم تكن أشد منك حسدا لابن عمك عثمان، نشرت مقابحه، وطويت محاسنه، وطعنت في فقهه، ثم في دينه، ثم في سيرته، ثم في عقله، وأغريت به السفهاء من أصحابك وشيعتك، حتى قتلوه بمحضر منك، لا تدفع عنه بلسان ولا يد، وما من هؤلاء إلا من بغيت عليه، وتلكأت في بيعته، حتى حملت إليه قهرا، تساق بخزائم الاقتسار كما يساق الفحل المخشوش، ثم نهضت الان تطلب الخلافة، وقتلة عثمان خلصاؤك وسجراؤك والمحدقون بك، وتلك من أماني النفوس، وضلالات الأهواء.
فدع اللجاج والعبث جانبا، وادفع إلينا قتلة عثمان، وأعد الامر شورى بين المسلمين ليتفقوا على من هو لله رضا. فلا بيعه لك في أعناقنا، ولا طاعة لك علينا، ولا عتبى لك