فأقرأه إياه فشمت به عمرو - ولم يكن أحد من قريش أشد إعظاما لعلي من عمرو بن العاص منذ يوم لقيه وصفح عنه - فقال عمرو فيما كان أشار به على معاوية:
ألا لله درك يا بن هند * ودر الآمرين لك الشهود!
أتطمع لا أبا لك في علي * وقد قرع الحديد على الحديد!
وترجو أن تحيره بشك * وتأمل أن يهابك بالوعيد (1) وقد كشف القناع وجر حربا * يشيب لهولها رأس الوليد له جأواء مظلمة طحون * فوارسها تلهب كالأسود (2) يقول لها إذا رجعت إليه (3) * وقد ملت طعان القوم: عودي فإن وردت فأولها ورودا * وإن صدت فليس بذي صدود وما هي من أبى حسن بنكر * ولا هو من مسائك بالبعيد وقلت له مقالة مستكين * ضعيف الركن منقطع الوريد دعن لي الشام حسبك يا بن هند * من السوآت والرأي الزهيد ولو أعطاكها ما ازددت عزا * ولا لك لو أجابك من مزيد فلم تكسر بذاك الرأي عودا * لركته ولا ما دون عود (4) فلما بلغ معاوية شعر عمرو دعاه فقال له: العجب لك! تفيل رأيي، وتعظم عليا وقد فضحك! فقال: أما تفييلي رأيك فقد كان، وأما إعظامي عليا فإنك بإعظامه أشد معرفة مني، ولكنك تطويه وأنا أنشره. وأما فضيحتي فلم يفتضح امرؤ لقي أبا حسن (5).