يتجسسان خبر العير، حتى نزلا على كشد (1) الجهني بالموضع المعروف بالنخبار (2)، وهو من وراء ذي المروة على الساحل، فأجارهما وأنزلهما، فلم يزالا مقيمين في خباء وبر حتى مرت العير، فرفعهما على نشز من الأرض، فنظرا إلى القوم وإلى ما تحمل العير، وجعل أهل العير يقولون لكشد يا كشد، هل رأيت أحدا من عيون محمد فيقول أعوذ بالله، وأنى لمحمد عيون بالنخبار فلما راحت العير باتا حتى أصبحا ثم خرجا، وخرج معهما كشد خفيرا، حتى أوردهما ذا المروة، وساحلت العير فأسرعت، وسار بها أصحابها ليلا ونهارا، فرقا من الطلب، وقدم طلحة وسعيد المدينة في اليوم الذي لقى رسول الله صلى الله عليه وآله قريشا ببدر، فخرجا يعترضان رسول الله صلى الله عليه وآله، فلقياه بتربان - وتربان بين ملل والسالة على المحجة، وكانت منزل عروة بن أذينة الشاعر - وقدم كشد بعد ذلك على النبي صلى الله عليه وآله، وقد أخبر طلحة وسعيد رسول الله صلى الله عليه وآله بما صنع بهما، فحباه وأكرمه، وقال: ألا أقطع لك ينبع قال: إني كبير، وقد نفد عمري. ولكن اقطعها لابن أخي، فأقطعها له (3).
قالوا وندب رسول الله صلى الله عليه وآله المسلمين، وقال هذه عير قريش، فيها أموالهم لعل الله أن يغنمكموها. فأسرع من أسرع، حتى أن كان الرجل ليساهم أباه في الخروج، فكان ممن ساهم أباه سعد بن خيثمة، فقال سعد لأبيه إنه لو كان غير الجنة آثرتك به، إني لأرجو الشهادة في وجهي هذا، فقال خيثمة آثرني وقر مع نسائك، فأبى سعد، فقال خيثمة إنه لا بد لأحدنا من أن يقيم، فاستهما، فخرج سهم سعد، فقتل ببدر. وأبطأ عن النبي صلى الله عليه وآله بشر كثير من أصحابه، وكرهوا خروجه، وكان في ذلك كلام كثير واختلاف، وبعضهم تخلف من أهل النيات والبصائر، لم يظنوا أنه يكون قتال، إنما هو الخروج للغنيمة، ولو ظنوا أنه يكون قتال لما تخلفوا، منهم أسيد