حينئذ، وإنما تمكن أبو طالب من المحاماة عنه بالثبات في الظاهر على دين قريش وإن أبطن الاسلام، كما لو إن إنسانا كان يبطن التشيع مثلا، وهو في بلد من بلاد الكرامية، وله في ذلك البلد وجاهه وقدم، وهو يظهر مذهب الكرامية، ويحفظ ناموسه بينهم بذلك، وكان في ذلك البلد نفر يسير من الشيعة لا يزالون ينالون بالأذى والضرر من أهل ذلك البلد ورؤسائه، فإنه ما دام قادرا على إظهار مذهب أهل البلد، يكون أشد تمكنا من المدافعة والمحاماة عن أولئك النفر، فلو أظهر ما يجوز من التشيع، وكاشف أهل البلد بذلك، صار حكمه حكم واحد من أولئك النفر، ولحقه من الأذى والضرر ما يلحقهم، ولم يتمكن من الدفاع أحيانا عنهم كما كان أولا.
قلت فإما أنا فإن الحال ملتبسه عندي، والاخبار متعارضة، والله أعلم بحقيقة حاله كيف كانت (1).
ويقف صدري رسالة النفس الزكية (2) إلى المنصور، وقوله فيها (فأنا ابن خير الأخيار، وأنا ابن شر الأشرار، وأنا ابن سيد أهل الجنة، وأنا ابن سيد أهل النار).
فإن هذه شهادة منه على أبى طالب بالكفر، وهو ابنه وغير متهم عليه، وعهده قريب من عهد النبي صلى الله عليه وآله، لم يطل الزمان فيكون الخبر مفتعلا.
وجملة الامر أنه قد روى في إسلامه أخبار كثيرة، وروى في موته على دين قومه أخبار كثيرة، فتعارض الجرح والتعديل، فكان كتعارض البينتين عند الحاكم، وذلك يقتضى التوقف، فأنا في أمره من المتوقفين.