شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٤ - الصفحة ٨٢
حينئذ، وإنما تمكن أبو طالب من المحاماة عنه بالثبات في الظاهر على دين قريش وإن أبطن الاسلام، كما لو إن إنسانا كان يبطن التشيع مثلا، وهو في بلد من بلاد الكرامية، وله في ذلك البلد وجاهه وقدم، وهو يظهر مذهب الكرامية، ويحفظ ناموسه بينهم بذلك، وكان في ذلك البلد نفر يسير من الشيعة لا يزالون ينالون بالأذى والضرر من أهل ذلك البلد ورؤسائه، فإنه ما دام قادرا على إظهار مذهب أهل البلد، يكون أشد تمكنا من المدافعة والمحاماة عن أولئك النفر، فلو أظهر ما يجوز من التشيع، وكاشف أهل البلد بذلك، صار حكمه حكم واحد من أولئك النفر، ولحقه من الأذى والضرر ما يلحقهم، ولم يتمكن من الدفاع أحيانا عنهم كما كان أولا.
قلت فإما أنا فإن الحال ملتبسه عندي، والاخبار متعارضة، والله أعلم بحقيقة حاله كيف كانت (1).
ويقف صدري رسالة النفس الزكية (2) إلى المنصور، وقوله فيها (فأنا ابن خير الأخيار، وأنا ابن شر الأشرار، وأنا ابن سيد أهل الجنة، وأنا ابن سيد أهل النار).
فإن هذه شهادة منه على أبى طالب بالكفر، وهو ابنه وغير متهم عليه، وعهده قريب من عهد النبي صلى الله عليه وآله، لم يطل الزمان فيكون الخبر مفتعلا.
وجملة الامر أنه قد روى في إسلامه أخبار كثيرة، وروى في موته على دين قومه أخبار كثيرة، فتعارض الجرح والتعديل، فكان كتعارض البينتين عند الحاكم، وذلك يقتضى التوقف، فأنا في أمره من المتوقفين.

(١) وضع الشيخ المفيد رسالة في ايمان أبي طالب، طبعت في مجموعة نفائس المخطوطات، العدد الثالث من المجموعة الأولى. طبعت في النجف سنة ١٩٥٦.
(٢) هو محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب، والملقب بالأرقط وبالمهدي وبالنفس الزكية، خرج على المنصور ثائرا لمقتل أبيه بالكوفة في مائتين وخمسين رجلا، فقبض على أمير المدينة، وبايعه أهلها فانتدب المنصور لقتاله ولي عهده عيسى بن موسى، فسار إليه، وانتهى الامر بمقتله سنة ١٤٥. (مقاتل الطالبيين 232).
(٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 1 - من كتاب له عليه السلام إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرة 6
2 أخبار على عند مسيره إلى البصرة ورسله إلى الكوفة 8
3 فصل في نسب عائشة وأخبارها 21
4 2 - ومن كتاب له عليه السلام بعد فتح البصرة 26
5 3 - من كتاب له عليه السلام لشريح بن الحارث قاضيه 27
6 نسب شريح وذكر بعض أخباره 28
7 4 - من كتاب له عليه السلام إلى بعض أمراء جيشه 32
8 5 - من كتاب له عليه السلام إلى الأشعث بن قيس وهو عامل أذربيجان 33
9 6 - من كتاب له عليه السلام إلى معاوية 35
10 جرير بن عبد الله البجلي عند معاوية 38
11 7 - من كتاب له عليه السلام إلى معاوية أيضا 41
12 8 - من كتاب له عليه السلام إلى جرير بن عبد الله البجلي لما أرسله إلى معاوية 45
13 9 - ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية أيضا 47
14 إجلاب قريش على بني هاشم وحصرهم في الشعب 52
15 القول في المؤمنين والكافرين من بني هاشم 64
16 اختلاف الرأي في إيمان أبي طالب 65
17 قصة غزوة بدر 84
18 القول في نزول الملائكة يوم بدر ومحاربتها المشركين 157
19 القول فيما جرى في الغنيمة والأسارى بعد هزيمة قريش ورجوعها إلى مكة 165
20 القول في تفصيل أسماء أسارى بدر ومن أسرهم 199
21 القول في المطعمين في بدر من المشركين 205
22 القول فيمن قتل ببدر من المشركين وأسماء قاتليهم 208
23 القول فيمن شهد بدرا من المسلمين 212
24 قصة غزوة أحد 213