شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ١٤ - الصفحة ٥٤
والعاص بن وائل، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، وأمثالهم من رؤساء قريش فقالوا يا أبا طالب، إن ابن أخيك قد سب آلهتنا، وعاب ديننا، وسفه أحلامنا، وضلل آراءنا، فإما أن تكفه عنا، وإما أن تخلى بيننا وبينه. فقال لهم أبو طالب قولا رفيقا، وردهم ردا جميلا، فانصرفوا عنه، ومضى رسول الله صلى الله عليه وآله على ما هو عليه، يظهر دين الله، ويدعو إليه، ثم شرق (1) الامر بينه وبينهم، تباعدا وتضاغنا (2)، حتى أكثرت قريش ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله بينها، وتذامروا فيه، وحض بعضهم بعضا عليه، فمشوا إلى أبى طالب مره ثانية، فقالوا يا أبا طالب، إن لك سنا وشرفا ومنزلة فينا، وانا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنا والله لا نصبر على شتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا، فاما أن تكفه عنا أو ننازله وإياك (3) حتى يهلك أحد الفريقين. ثم انصرفوا، فعظم على أبى طالب فراق قومه وعداوتهم، ولم تطب نفسه باسلام ابن أخيه لهم وخذلانه، فبعث إليه فقال يا بن أخي، إن قومك قد جاؤوني، فقالوا لي كذا وكذا - للذي قالوا - فابق على وعلى نفسك، ولا تحملني من الامر ما لا أطيقه.
قال: فظن رسول الله صلى الله عليه وآله إنه قد بدا لعمه فيه بداء، وإنه خاذله ومسلمه، وإنه قد ضعف عن نصرته والقيام دونه، فقال يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على إن أترك هذا الامر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك. ثم استعبر باكيا وقام، فلما ولى ناداه أبو طالب أقبل يا بن أخي، فاقبل راجعا، فقال له اذهب يا بن أخي فقل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشئ أبدا (4).

(1) ابن هشام: (ثم شرى الامر بينه وبينهم)، قال أبو ذر: معناه (كثر وتزايد)، وأصله في البرق، يقال: شرى البرق: إذا كثر لمعانه.
(2) التضاغن: المعاداة.
(3) ننازله وإياك: أي نحاربكما.
(4) سيرة ابن هشام 1: 276 - 287.
(٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 1 - من كتاب له عليه السلام إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرة 6
2 أخبار على عند مسيره إلى البصرة ورسله إلى الكوفة 8
3 فصل في نسب عائشة وأخبارها 21
4 2 - ومن كتاب له عليه السلام بعد فتح البصرة 26
5 3 - من كتاب له عليه السلام لشريح بن الحارث قاضيه 27
6 نسب شريح وذكر بعض أخباره 28
7 4 - من كتاب له عليه السلام إلى بعض أمراء جيشه 32
8 5 - من كتاب له عليه السلام إلى الأشعث بن قيس وهو عامل أذربيجان 33
9 6 - من كتاب له عليه السلام إلى معاوية 35
10 جرير بن عبد الله البجلي عند معاوية 38
11 7 - من كتاب له عليه السلام إلى معاوية أيضا 41
12 8 - من كتاب له عليه السلام إلى جرير بن عبد الله البجلي لما أرسله إلى معاوية 45
13 9 - ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية أيضا 47
14 إجلاب قريش على بني هاشم وحصرهم في الشعب 52
15 القول في المؤمنين والكافرين من بني هاشم 64
16 اختلاف الرأي في إيمان أبي طالب 65
17 قصة غزوة بدر 84
18 القول في نزول الملائكة يوم بدر ومحاربتها المشركين 157
19 القول فيما جرى في الغنيمة والأسارى بعد هزيمة قريش ورجوعها إلى مكة 165
20 القول في تفصيل أسماء أسارى بدر ومن أسرهم 199
21 القول في المطعمين في بدر من المشركين 205
22 القول فيمن قتل ببدر من المشركين وأسماء قاتليهم 208
23 القول فيمن شهد بدرا من المسلمين 212
24 قصة غزوة أحد 213