من عبد الله على أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان: (أما بعد فقد أتتني منك موعظة موصلة، ورسالة محبرة، نمقتها بضلالك، وأمضيتها بسوء رأيك، وكتاب امرئ ليس له بصر يهديه، ولا قائد يرشده، دعاه الهوى فأجابه، وقاده الضلال فاتبعه، فهجر لاغطا، وضل خابطا، فاما أمرك لي بالتقوى فأرجو أن أكون من أهلها، وأستعيذ بالله من أن أكون من الذين إذا أمروا بها أخذتهم العزة بالاثم، وأما تحذيرك إياي أن يحبط عملي وسابقتي في الاسلام، فلعمري لو كنت الباغي عليك، لكان لك أن تحذرني ذلك، ولكني وجدت الله تعالى يقول: ﴿فقاتلوا التي تبغى حتى تفئ إلى أمر الله﴾ (1) فنظرنا إلى الفئتين، أما الفئة الباغية فوجدناها الفئة التي أنت فيها، لان بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام، كما لزمتك بيعة عثمان بالمدينة وأنت أمير لعمر على الشام، وكما لزمت يزيد أخاك بيعة عمر وهو أمير لأبي بكر على الشام. وأما شق عصا هذه الأمة فانا أحق أن أنهاك عنه. فاما تخويفك لي من قتل أهل البغي، فان رسول الله صلى الله عليه وآله امرني بقتالهم وقتلهم، وقال لأصحابه: (إن فيكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله)، وأشار إلى وأنا أولى من أتبع امره.
وأما قولك أن بيعتي لم تصح لان أهل الشام لم يدخلوا فيها كيف وإنما هي بيعة واحدة، تلزم الحاضر والغائب، لا يثنى فيها النظر، ولا يستأنف فيها الخيار، الخارج منها طاعن، والمروي فيها مداهن. فأربع على ظلعك، وانزع سربال غيك، واترك ما لا جدوى له عليك، فليس لك عندي إلا السيف، حتى تفئ إلى أمر الله صاغرا، وتدخل في البيعة راغما. والسلام).