قال الواقدي: وكانت عائشة خرجت في نسوة تستروح الخبر، ولم يكن قد ضرب الحجاب يومئذ، حتى كانت بمنقطع الحرة وهي هابطة من بنى حارثة إلى الوادي، لقيت هندا بنت عمرو بن حزام، أخت عبد الله بن عمرو بن حزام، تسوق بعيرا لها، عليه زوجها عمرو بن الجموح، وابنها خلاد بن عمرو بن الجموح، وأخوها عبد الله بن عمرو بن حزام (1) أبو جابر بن عبد الله، فقالت لها عائشة: عندك الخبر، فما وراءك فقالت هند: خير، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فصالح، وكل مصيبة بعده جلل، واتخذ الله من المؤمنين شهداء: (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا).
قلت هكذا وردت الرواية، وعندي إنها لم تقل كل ذلك، ولعلها قالت: (ورد الله الذين كفروا بغيظهم)، لا غير، وإلا فكيف يواطئ كلامها آية من كلام الله تعالى أنزلت بعد الخندق والخندق بعد أحد هذا من البعيد جدا.
قال: فقالت لها عائشة: فمن هؤلاء قالت أخي وابني وزوجي قتلى، قالت فأين تذهبين بهم قالت إلى المدينة أقبرهم بها، (حل حل)، تزجر بعيرها، فبرك البعير، فقالت عائشة: لثقل ما حمل، قالت هند: ما ذاك به، لربما حمل ما يحمله البعيران، ولكني أراه لغير ذلك، فزجرته فقام، فلما وجهت به إلى المدينة برك، فوجهته راجعة إلى أحد، فأسرع، فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك، فقال إن الجمل لمأمور، هل قال عمرو شيئا قالت: نعم، إنه لما وجه إلى أحد استقبل القبلة، ثم قال: اللهم لا تردني إلى أهلي، وارزقني الشهادة، فقال صلى الله عليه وسلم: فلذلك الجمل لا يمضى، إن منكم يا معشر الأنصار من لو أقسم على الله لأبره، منهم عمرو بن الجموح، يا هند ما زالت الملائكة مظلة على أخيك من لدن قتل إلى الساعة، ينظرون أين يدفن ثم مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبرهم، ثم قال: يا هند، قد ترافقوا في الجنة