وكان مقلا ولا ولد له ولا زوجة، وكان شجاعا يعرف بذلك في حروبهم التي كانت تكون بينهم، فشهد أحدا، وقاتل قتالا شديدا، فقتل ستة أو سبعة، فأصابته الجراح فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم أن قزمان قد أصابته الجراح، فهو شهيد، فقال: بل من أهل النار، فجاؤوا إلى قزمان، فقالوا هنيئا لك أبا الغيداق الشهادة فقال: بم تبشرونني والله ما قاتلنا إلا على الأحساب، قالوا: بشرناك بالجنة، قال: حبة والله من حرمل، إنا والله ما قاتلنا على جنة ولا على نار، إنما قاتلنا على أحسابنا، ثم أخرج سهما من كنانته، فجعل يتوجأ به نفسه، فلما أبطأ عليه المشقص، أخذ السيف، فاتكأ عليه، حتى خرج من ظهره، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله فقال: (هو من أهل النار).
قال الواقدي: وكان عمرو بن الجموح رجلا أعرج، فلما كان يوم أحد، وكان له بنون أربعة يشهدون مع النبي صلى الله عليه وسلم المشاهد أمثال الأسد، أراد قومه أن يحبسوه، وقالوا أنت رجل أعرج، ولا حرج عليك، وقد ذهب بنوك مع النبي صلى الله عليه وسلم قال: بخ! يذهبون إلى الجنة وأجلس أنا عندكم فقالت هند بنت عمرو بن حزام امرأته:
كأني أنظر إليه موليا قد أخذ درقته، وهو يقول اللهم لا تردني إلى أهلي، فخرج ولحقه بعض قومه يكلمونه في القعود، فأبى وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن قومي يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه والخروج معك، والله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة، فقال له أما أنت فقد عذرك الله ولا جهاد عليك، فأبى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقومه وبنيه: لا عليكم أن تمنعوه، لعل الله يرزقه الشهادة، فخلوا عنه. فقتل يومئذ شهيدا. وكان أبو طلحة يحدث، يقول نظرت إلى عمرو بن الجموح حين انكشف المسلمون، ثم ثابوا وهو في الرعيل الأول، لكأني أنظر إلى ضلعه وهو يعرج في مشيته، وهو يقول أنا والله مشتاق إلى الجنة، ثم انظر إلى ابنه يعدو في أثره، حتى قتلا جميعا.