فاما قوله أن أبا بكر عذب
بمكة، فانا لا نعلم أن
العذاب كان واقعا الا بعبد أو عسيف (١)، أو لمن لا عشيرة له تمنعه، فأنتم في أبى بكر بين أمرين تارة تجعلونه دخيلا ساقطا، وهجينا رذيلا مستضعفا ذليلا، وتارة تجعلونه رئيسا متبعا، وكبيرا مطاعا، فاعتمدوا على أحد القولين لنكلمكم بحسب ما تختارونه لأنفسكم. ولو كان الفضل في الفتنة والعذاب، لكان عمار وخباب وبلال وكل معذب
بمكة أفضل من أبى بكر، لأنهم كانوا من
العذاب في أكثر مما كان فيه، ونزل فيهم من
القرآن ما لم ينزل فيه، كقوله تعالى
﴿والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا﴾ (٢) قالوا نزلت في خباب وبلال، ونزل في عمار قوله
﴿الا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان﴾ (3) وكان
رسول الله صلى الله عليه وآله يمر على عمار وأبيه وأمه، وهم يعذبون، يعذبهم بنو مخزوم لأنهم كانوا حلفاءهم، فيقول (صبرا آل ياسر فان موعدكم الجنة)، وكان بلال يقلب على الرمضاء، وهو يقول أحد أحد وما سمعنا لأبي بكر في شئ من ذلك ذكرا، ولقد كان
لعلى عليه السلام عنده يد غراء، إن صح ما رويتموه في تعذيبه، لأنه
قتل نوفل بن خويلد وعمير بن عثمان يوم بدر،
ضرب نوفلا فقطع ساقه، فقال أذكرك الله والرحم فقال قد قطع الله كل رحم وصهر الا من كان تابعا لمحمد، ثم ضربه أخرى ففاضت نفسه، وصمد لعمير بن عثمان التميمي، فوجده يروم الهرب، وقد ارتج عليه المسلك، فضربه على شراسيف صدره، فصار نصفه الأعلى بين رجليه، وليس أن أبا بكر لم يطلب بثاره منهما، ويجتهد، لكنه لم يقدر على أن يفعل فعل
علي عليه السلام، فبان
علي عليه السلام بفعله دونه قال الجاحظ ولأبي بكر مراتب لا يشركه فيها على ولا غيره، وذلك قبل الهجرة